دائماً وكعادتنا نحتاج لمذبحة أو مآساة حتى نتذكر إننا أمام عدو لا يتورع عن قتلنا والتمتع بدماءنا وهي تنزف ، وجثامين أبنائنا وشعبنا الممزقة ، وبيوتنا المدمرة ، وزرعنا المقتلع ، هذا هو عدونا ، وهذا هو ما يصبو إليه ويريده لنا منذ أن جثم على أرضنا ، وصدورنا ، واستولي على بحرنا ، وأرضنا ، وسمائنا، وإرادتنا.
غزة تعيش أجواء المذبحة ، الشهداء يتساقطون ، والجرحي ينزفون ، والثكالي تودع أبناءها بالدموع والآلام ، والرجال تترقب القادم ، ومعشر الكتاب وجدوا بالمذبحة فرصة لاستعراض العضلات الثورية ، وشحذ الهمم وكلاً نهض من قمقمه ، وأخرج رأسه من خندقه الحزبي ليتذكر إننا تحت رحمة عدو لا زال يمارس كل فنون الهمجية ضد شعب محاصر فقير ، يفترسه الألم ، مشتت ، ممزق الأرض والأوصال والوجدان.
قبل عدة أيام تناولت مقال بعنوان " أيها الفلسطيني الغبي" نلت ما نلت منه من قذف واتهامات ، ولعنات ، وهناك من فرد عضلاته الوطنية ، وتمترس خلف قلبه الأعمى الذي لا يري سوي لغة المثقف السيئ المترجز الذي لا يعنيه من قاموس الألم والثورة والمقاومة سوي التلاعب بالألفاظ ، وهناك من حذفوا المقال من صحفهم وآخرون من رفضوا نشره ، يخدعون أنفسهم ، ويعبرون عن غرورهم الثقافي المتبرجز ، والسبب أن المقال تناول الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني وذكر هؤلاء أننا لازلنا تحت احتلال ، أخذتهم العزة ونسوا الكرامة.
ارتكب العدو مذبحته بغزة وكان من بين الشهداء نجل القيادي في حماس محمود الزهار "حسام" وسقط مع من سقطوا من شهدائنا العظماء ، فسارع القادة لتقديم واجب العزاء للقيادي محمود الزهار سواء الرئيس محمود عباس ، أو رئيس الوزراء ، أو أعضاء المجلس التشريعي وقادة فتح ، وهنا بيت القصيد ، هل أدرك هؤلاء جميعا أن هذا العدو هو عدونا جميعاً ؟ وأن من قتل الياسين هو من قتل عرفات ؟ وإنهم جميعا سواسية أمام المخراز الصهيوني وأله موته الهمجية ؟ ربما كلمات العزاء بمنظور البعض بسيطة وتأتي من باب المجاملات الاجتماعية ، ولكنها من منظورنا فهي أكبر من كل الكلمات ، فهي الرسالة التي نرد أن تصل لهؤلاء في غزة ورام الله ، الرسالة التي غضوا النظر عنها ومارسوا القتل والموت ، والاعتقال ، والحظر وكل معاني الجريمة وأركانها ضد شبابنا وشعبنا ، فسلاحنا ليست صواريخنا ، و بنادقنا ، سلاحنا وحدتنا ، وردنا علي هذا العدو وحدتنا ، وحماية شعبنا بهذه الوحدة ، والحفاظ علي قضيتنا التي داستها أقدام العسكر المتناحر علي الغنائم المسمومة .
إن ما شهدته غزة من اعتقالات وقتل ومداهمات وكذلك رام الله هو الدافع لهذا العدو أن يمارس هوايته بنا وبشعبنا وبقضيتنا من قتل ، وممارسات همجية بربرية ، مستغلا سذاجه هؤلاء الذين يبحثوا عن سلطان في أرض مسلوبة ، وسماء محتله ، وبحر مستباح .
فلو علم "حسام" وأدرك أن دماءه الزكية ستكون قربان إلتقاء ووحده لهب إلي الشهادة منذ أن بدأت البندقية تقول كلمتها بين الأشقاء ، ولتضرع لله أن يكون فداءً لهذه الوحدة ، وقدم روحه محفوفة بعطر فلسطين هدية لأهلها وقادتها وأحزابها .
نعم استشهد "حسام" وذهب لحيث شاء وأختار درب العظماء ، ولكنه لا زال يترقب لحظة الزفاف الحقيقية ، يترقب ماذا سيفعل قادة شعبه ؟ من حملوا الأمانة بأعناقهم ، ومن سيُسألون عنها أمام الله وشعبهم ، ومن سيدون التاريخ عنهم شهادته .
إذ وحدتكم دماء "حسام" ألا توحدكم دماء شعب يُقتل يومياً ، ويذبح ، ويحاصر ويشتت؟!
ورغم ذلك لا زال فينا من يسترزق من دمائنا ، ويحمل توافه الفكر والعقل والأفكار ، أولئك من وجدوا بفتنة فلسطين سوقا لترويج خزعبلاتهم ، وأرضا يصدرون بها أزماتهم النفسية ، ليدسوا السم لأبنائنا علي صفحات الصحف والمجلات ، فتارة يتحفونا باسم الإسلام ، وأخري باسم المقاومة ، وينوعوا لنا من أمراضهم النفسية ما يأمروا به من أسياد المال ، فمنهم من صنفنا ، ومنهم من منحنا شهادة البراءة والطهارة ، وآخرون من وزع علينا لقب شريف ، وعميل ، واستحضر من جعبته الخاوية كل المصطلحات التي لُقن بها .
ولهؤلاء كلمة واحدة " فلسطين باقية ، بوحدتها ، بأهلها ، بأمتها ، أما أنتم ذاهبون ، تلعنكم كل الكلمات والحروف ، ذاهبون ومصيركم الجحيم ، سمومكم سترتد إلي أعناقكم ، فان أردتم الاسترزاق فأذهبوا بعيدا سماؤُنا لن تدوم لكروشكم ، وأرضنا لن تكون مستنقع لخيباتكم وأزماتكم "
فلتوحدنا دماء الشهداء ... ولتوحدنا مذابح الاحتلال ... ولا عزاء للتعساء
17/1/2008
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية