أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

(محمد) صلى الله عليه وسلم وحضارة المنتجين *

في يوم مولد النبي عليه الصلاة والسلام، لا يستطيع الإنسان إلا أن يتألم للحال الوصلنا إليه، ولواقع شعوبنا الممتلئ بالألم، إلا استلهام تجربة النبي (ص) وتذكر آلامه وسيرته.

ومن ثم مقدرته الفذة في الإدارة والحكم، عبر مبدأ الجمع لا الفصل، الوحدة لا التفرقة، الزائد لا الناقص، والخير كله في مواجهة الشر كله، والحكمة كلها في مواجهة كل فكرة أدنى من الحكمة.

ولقد كان أول من فعلها في القرن العشرين مستلهماً سيرة النبي الأعظم، مسيحي دمشقي سيقف على منبر جامعة دمشق، حين كان السوريون يرزحون تحت الانتداب الفرنسي، ليلقي كلمة تاريخية في ذكرى الرسول العربي، تعتبر بداية فكرية أولى للتنظير لفكرة تأسيس (البعث) الذي لم يكن في تلك الأيام أبداً، ذاك التنظيم الذي نعرف عنه اليوم أنه أحد معيقات الحرية والنهضة التي تدعيها قياداته، هذا الرجل هو (ميشيل عفلق).

صرح (عفلق) يومها بأن شخصية العرب - والهوية جزء من الشخصية- لا بد تشبه شخصية نبيهم العربي..وقد رمى بهذا استلهام فكرة الانبعاث والحرية والرسالة ! وقال بالحرف: (إن حياة الرسول خلاصه لحياة العرب، وحياة الرسول وهي ممثلة للنفس العربية في حقيقتها المطلقة لا يمكن أن تعرف بالذهن، بل بالتجربة الحية لذلك لا يمكن أن تكون هذه المعرفة بدءاً بل هي نتيجة. فالعرب منذ ضمور الحيوية فيهم، أي منذ مئات السنين يقرأون السيرة ويترنمون بها ولكنهم لا يفهمونها لأن فهمها يتطلب درجة من غليان النفس قصوى، وحداً من عمق الشعور وصدقه لم يتوفر لهم بعد، وموقفاً وجودياً يضع الإنسان أمام قدره وجهاً لوجه، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك). – انتهى الاقتباس.

ومع أن الرجل كان قادماً من فرنسا، إلا أنه ارتكب أكبر خطيئة بعدم تضمين هذا الفكر قضية (العقد الاجتماعي)!، التي كانت تتراكم في الثقافة الإنسانية حينها، حيث كان بإمكانه آنذاك أن يشكل ذلك التراكم المعرفي بين حضارتنا وحضارة جيراننا.

ولا بد أنه كان يعرف أن الرسول (ص) أسس في المدينة المنورة عقداً اجتماعياً، لم يكن المسلمون فيه فقط، بل كل مكونات المدينة وهي (صحيفة المدينة)، وعندما يكون المفكر جزءاً طبيعياً من زمانه فلا بد أن يراكم التجارب والمعارف الأممية، التي أنشأها أهله وأجداده القدماء، وتلك التي أنشأها جيرانه و أجدادهم.

ولقد كان عليه وقتها أن يدرك، أن نبتة النبي الكريمة لا بد تزرع في زمننا هذا حيث الإنسانية تكافح وتناضل من أجل رفع الظلم عن الإنسان، والانطلاق نحو نهضته وسعادته.

وحتى لا نلوم الرجل – وهو ابن زمانه– ونصبح نحن في موقف الناظر للخلف بدلاً من تحدي المستقبل، والنظر نحوه بعين المتفائل برغم كل هذا الحطام، وحجم الخوف الساكن في كثير من النفوس.

لا بد لنا نحن استلهام النبي (ص) منطلقين من التحدي الأخطر الذي يواجهنا – الآن - وهو الاعتداء حتى على (هوية النبي).

إن ما يجري اليوم في العالم من محاولات شتى، لصنع صراع بين الثقافات والحضارات، والهجوم الواضح على الشخصية المسلمة، من خلال تشويه صورة النبي (ص)، يحتاج لعقل متبصر هادئ حكيم يستلهم تلك الشخصية العظيمة التي يتم تناولها..أي أن من يريد الدفاع عن النبي عليه أن يدرك أن التشنج والعصبية والرد بالعدوان ليست من سلوك النبي، ولا تخدم القضية.

وعلينا جميعاً –أولاً– أن نفهم أن المقصود من كل ما يحصل، هو القيام بين فينة وأخرى بإخراج (دعشنة جديدة) من القمقم، ثم الصياح: هذا هو الإسلام! وما الأمر إلا وقد صار أكثر من جلي وواضح لكل ذي عقل حكيم.

ويحدث هذا الأمر في نفس الوقت الذي نناضل فيه من أجل دحر الاستبداد، فنكون على الدوام على جبهتين، وبين فكي كماشة !

و إذا سأل سائل فينا ما العمل؟ فلا بد أن الحكمة تقتضي منا أن نكف عن الوقوع دوماً في نفس الحفر! وليس من حاجة أبداً لاختراع العجلة من جديد! ففينا رجل قدم أمثولة تقدمية في التفكير السياسي والاقتصادي، بغير كثر كلام ولا شعارات، وبغير تبجح ولا تغيير في سلم الأولويات، وهو الرئيس مهاتير محمد.

لقد أبعد الرجل من طريقه كل فكرة تمنع التنمية، ووضع الإنسان الماليزي وسعادته قبل كل شيء! وكان أول مبدأ فيما فعل، هو القبول بالذهاب إلى المنزل بكل رحابة صدر عندما يقول له صندوق الاقتراع (لا)! فالرئيس مهاتير أدرك أن البطل هي الأمة وليس الشخص.

وفي الدفاع عن الشخصية المسلمة قدم الرجل أيضاً حاله وحال بلده، كأمثولة في الإنتاج والنهضة والدخول الصادق في (النادي العالمي) من البوابة الأوسع، وهي (حضارة المنتجين)! نعم هذه هي الكلمة السحرية، التي لا حاجة لنا للبحث كثيراً عنها، وقدم قدمها مهاتير، فعلاً لا قولاً (حضارة المنتجين).

إن العالم اليوم لا يفهم لغة الكسالى، ولا لغة الطائشين، ولا لغة الضائعين مهما احتجوا!! إن الدرب الصحيح هو أن تنتج! إن كنت فرداً أنتج في أي مكان كنت من العالم، وإن كنتم جماعة أنتجوا! أو شعباً في دولة فلا تكفوا عن العمل والإنتاج لخير أنفسكم وخير العالم، فذاك هو السباق! ومن خلاله يمكنك أن تصنع (كل شيء).

*د.محمد الأحمد - من كتاب "زمان الوصل"
(199)    هل أعجبتك المقالة (182)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي