من الواضح تماماً لكل متبصر سوري، و حتى لأولئك المهتمين بشأننا الوطني من المحللين، أن أزمتنا باتت انعكاساً لأزمات العلاقات الدولية نفسها، وصرنا كسوريين، قضية من بين كل القضايا المختلف عليها، بين سلاطين و جبابرة العالم.
فالانتخابات الأمريكية باتت محدداً هاماً لمآلات الوضع في وطننا ومن غير الصحيح هذه المرة الاتفاق مع ذلك المنطق، الذي يتسرع بالتصريح بأن كلا الرئيسين الأمريكيين سيان بالنسبة للحال السورية.
فمن أهم القضايا واجبة البحث والحل، في واقعنا السوري، هي ضرورة الانسحاب الإيراني من سورية، و هذا الانسحاب لن يكون قابلاً للتنفيذ، إلا بتفاهمات دولية كبرى يدخل الواقع اللبناني-لجهة تناقضاته الداخلية وأزماته المتعددة- كأساس في المعادلة ككل.
فما الاستعصاء المتعلق بوجود حزب الله والإيرانيين اليوم في سورية إلا ويشبه اشتباكا بالأسنان والأظافر، على كل شبر نفوذ ممكن، في كل ساحة الهلال الخصيب من العراق، إلى سورية، إلى لبنان نفسه!..فبعد الاتفاق النووي بين أوباما والإيرانيين، جاء الرئيس ترامب ليلغيه، لتتحول الأمور إلى قاعدة مختلفة تماماً، فيها تقاسم نفوذ على حساب كل القضايا الإقليمية، و أولها القضية السورية ! أي أن ما حصل في حقيقة الأمر، هو تغيير في قواعد اللعبة الإقليمية، من قاعدة التفاهم على النووي، وبدء الحلحلة في قضايا الإقليم واحدة تلو الأخرى، نحو قاعدة (اللاحرب واللاسلم) و(هات و خذ) وبقاء الأمر على ما هو عليه، أي سيطرة قانون (الأمر الواقع)، وكل طرف يعطى بحسب قوته على الأرض وما يملك من إمكانات وأسلحة، ولم يكن أي من الطرفين ليورط نفسه في حرب مع الآخر أبداً، لأنها حرب النهايات.
فمنطق (ترامب – نتانياهو) في إلغاء الاتفاق النووي والتهديد بالحرب، ما كان ليصل لحالة الحرب مع إيران بالفعل، فكلاهما مزق الصفحات التي وقعها (ظريف و جون كيري)، ورقصة الحرب التي رقصها نتنياهو في الكونغرس، غداة خطابه الشهير ضد الاتفاق النووي بقيت رقصاَ له ما بعده من مآلات، وهذا ما كان متوقعاً، لأن الفوائد لإسرائيل من عدم وجود تفاهمات رئيسية، في المنطقة أكبر بكثير من التفاهم، ورقصة الحرب لا تعني الكلام فقط، بل تعني استمرار الضغط بشتى الوسائل للحصول على أكبر منافع ممكنة، وهذا ما حصل بالفعل، فالسفارة الأمريكية نقلت للقدس، وعمليات التطبيع على قدم وساق، وصفقة القرن تمرر بالتدريج، وحتى النظام السوري نفسه يفاوض الإسرائيليين سراً –الآن- وهو مستعد لكل شيء، من أجل رخصة البقاء.
إن مجيء (بايدن) للرئاسة وعودة الاتفاق النووي، قد يكسر تلك القاعدة اللئيمة في الواقع السوري، وهي قاعدة تقاسمات النفوذ العسكري لكل القوى المتصارعة، وإخراج الشعب السوري نفسه كخاسر أول! وذلك ليس لاعتقاد كاتب هذه المقالة، بأن أحداً ما من قادة الدول في العالم، سينظر بعين العطف والرأفة، تجاه شعبنا المقهور، فلقد تعلمنا الدرس، وبتنا ندرك أن الدول مصالح، ولكن قاعدة المصالح نفسها، والتي عبر عنها المرشح الرئاسي الديموقراطي نصت على إعادة الاتفاق النووي، الأمر الذي لابد سيترافق مع تفاهمات إقليمية أخرى، بات الإيراني يريد منها أولاً الحفاظ على نفوذه في لبنان، وإيصال لبنان نفسه –اقتصادياً- إلى شط النجاة، فالقاعدة المعمول بها الآن ذبحت لبنان اقتصادياً، وبالتالي دخل في أزمة سياسية عميقة.
بكل الأحوال نحن لا نجزم بأن نجاح (بايدن) وهذا هو الأرجح بحسب مؤسسات استطلاعات الرأي -برغم عدم حتميته الأكيدة- سوف يؤدي فوراً إلى حدوث انفراجات في واقعنا الوطني، إلا أن بيانه كان واضحاً، و هو الضغط على النظام من أجل العملية السياسية، ونحن نرى في الوجود الإيراني العقبة الأولى تجاه أي إصلاح، لأن إيران وحزب الله، يدعمون السلطة في سورية من منطلق دعم النفس ليس إلا، وما تصريحاتهم عن أن أي تغيير في طبيعة السلطة والنظام السياسي السوري، قد تؤدي إلى وقوع حزب الله بين فكي كماشة، سوى تأكيد على هذه الرؤيا والمنطق الذي يفكرون من خلاله، وحل هذه المسألة –الحساسة– لا يكون إلا بتفاهمات دولية كبرى، غير تلك التي حصلت قبل سنتين في القدس، بين الروسي والأمريكي والإسرائيلي، الأمر الذي أبقى الأمور على حالها، وذهب بها باتجاه خالف على الدوام تطلعات الشعب السوري في الحرية، وتغيير النظام.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية