منذ أن استقلت سورية عن الاستعمار الفرنسي، وهي وطن القلق والعنف ! العنف الذي ما إن يبدأ بين حزبين أو جماعتين سياسيتين، حتى يتحول بعدها لاقتتال رفاق الأمس. فعشرات الانقلابات العسكرية ، والتناقضات الداخلية، ومراهقو السياسة، كل هذه عناصر قاتلة، عطلت على هذا الوطن الجميل، التحول لجنة في الأرض.
لقد تحول تاريخ سورية بعد الاستقلال إلى العنف أول مرة على يد ضابط مغامر هو (حسني الزعيم)، ثم تتالت الأحداث، ليتكرر العنف، ويصبح سيد الموقف، وأسلوب الحياة السياسية الأخطر، حيث صار الجيش (مؤسسة احتكار العنف) هو اللاعب السياسي الأول.
ثم أخطأ البعثيون خطيئة عمرهم باستلام السلطة بالقوة عام 1963، فمن الواضح أن الشعب السوري، على إثر الانفصال عن مصر، كان منقسماً بين وحدويين وانفصاليين، لكن الذهاب لأخذ السلطة بالعنف في 8 آذار، من قبل الضباط الذين كان أغلبهم ناصري، ثم ما تلى ذلك من أحداث دموية عنفية بين البعثيين والناصريين (أي الحزب الوحدوي) واستطاعة البعثيين هزيمة رفاقهم، يشير إلى أن ما حصل، غير موضوعي، ومخالف لاتجاه الناس !
فماذا يبرر اقتتال رفاق الأمس، وانقضاض الرفاق على الرفاق، حيث صار الأمر (عادة). فماهي إلا ثلاث سنوات حتى جاء الانقلاب البعثي على البعث في عام 1966، وكان دموياً اضطر معه رئيس الجمهورية (أمين الحافظ) للدفاع عن نفسه وعائلته، حاملاً السلاح ضد من كانوا قبل أيام رفاقه !!. فأية مصيبة هذه التي تجعل من حزب سياسي، أو جماعة سياسية، تناضل لتحقيق هدف سياسي، لا تستطيع البت في قضية داخلية، إلا عبر السلاح، وليس البعثيون وحدهم من مرض بالعنف، والعنف الداخلي.
لقد عاش العالم ردحاً طويلاً في ذهنية المغالبة والمحاربة على السلطة، وقلما وجد فيه – أي في العالم – أشخاص وأحزاب أدركت أن الطريق السلمية، والنضال الوطني العاقل مهما طال أمده، قمين بتحقيق أعظم الأفكار، وأن (العصيان المدني العام)، هو أمضى سلاح ضد الظلام، وسارقي قوت ومستقبل الناس. فالعصيان المدني لو تحقق لعنى أولاً أن الجمهور بغالبيته، هو فعلاً مع القضية التي يراد النضال لأجلها، بينما الذهاب إلى السلاح، لا يعني فقط أن تصارع مغتصب السلطة، بل هو يحمل عنصر إخافة رفاقك، وإخوانك، وإجبارهم على الانصياع لك أيضاً، فيما بعد ! وهذا التاريخ يحمل مئات الأمثلة التي قام فيها الرفاق على الرفاق، والإخوة ضد الإخوة ! وبداية المعضلة هي في استبدال فكرة (العصيان المدني السلمي) بالعنف، حيث العصيان المدني هو (تنفيذ إرادة غالبية الجماعة الوطنية التي تعيش القهر والظلم عبر مقاطعة ظالميها).
لقد كان بإمكاننا فعل الكثير ضمن سياقات العصيان المدني في بدايات الحدث السوري، ولقد مضى هذا الأمر مثلما مضى التاريخ كله، أما الآن فإذا استمر تآمر العالم على السوريين، واستمر الحال كما هو، بظلمه وشقائه وجوعه وحرمانه ولا إنسانيته، فلن يجد السوريون أمامهم إلا مقاطعة السلطة في كل شيء.
نحن نريد وطناً تداولياً، لا يلغي أحداً من أبنائه.
سوءة العنف وفضيلة المقاطعة... د.محمد الأحمد*
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية