أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تشابك ملفي تشكيل الحكومتين العراقية واللبنانية*

أرشيف

مازالت حكومة عادل عبد المهدي في العراق تتعثر فبالرغم من تقديم عبد المهدي أسماء أعضاء حكومته إلى البرلمان العراقي وموافقة وحصولها على الثقة، إلا أن تشكيلة الوزارة لم تكتمل بسبب تعثر الوصول إلى توافق بشأن ست وزارات على رأسها وزارتا الدفاع والداخلية، إذا هي حكومة ناقصة وتعاني الكثير من العراقيل لاكتمالها.

في المقابل لم يفلح سعد الحريري المكلف بتشكيل الحكومة في لبنان ويشكو الحريري من كتل سياسية تضع العصي في عجلات تشكيل الحكومة وقد سماها بالاسم أي حزب الله الذي يصر على تبنّي وزراء من الطائفة السنية ليكونوا وزراء في الحكومة عن لوائح الحزب، الأمر الذي رأى فيه الحريري تهديدا متعمدا لزعامته السياسية للطائفة السنية وهذا ما عبر عنه صراحة في خطابه الأخير حين قال إنه الأب الوحيد للسنة والممثل الوحيد للسنة.

العلاقة بين تعثر الحكومتين في كل من بغداد وبيروت -رغم البعد الجغرافي- يمكن النظر إليه من زاوية التشابك والترابط، فكلا الملفين مرتبطان ببعضهما البعض مع أن الظاهر على السطح أن لكل بلد ظروفه الخاصة، ورغم صحة هذه الكلام إلا أن الملفين حقا مرتبطان بأواصر متينة، القاسم المشترك بينها إيران والسعودية والصراع بين الدولتين على مراكز السيطرة والنفوذ.

عادل عبد المهدي ممثل إيران مهما حاول الابتعاد ومهما أوغل في تصوير نفسه بالمستقل عن التأثير الإيراني، فالحزب الذي جاء منه عبد المهدي (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) ربيب إيران كما هو حزب الله في لبنان تماما وهو الذراع الأهم لطهران في العراق.

في الطرف الآخر تضع السعودية ثقلها في شخصية شيعية أخرى لها أهميتها ووزنها التاريخي عائليا ومذهبيا وهو مقتدى الصدر المتحالف مع الشيوعيين وكذلك على كتلة "سائرون" التي حظيت بنسبة جيدة من مقاعد البرلمان في دورته التي انقضت.

بدأ عبد المهدي حياته السياسية كشيوعي ثم انتقل إلى حزب البعث ليتركه ويلتحق في صفوف حزب الدعوة الإسلامية الموالي لإيران وشغل عدة مناصب منها نائب رئيس الجمهورية كما شغل عدة وزارات في حكومات سابقة، ويعتبر من الباحثين المتميزين وله دراسات عديدة في منها (مقاربات في علم الاجتماع السياسي والاقتصادي الاسلامي) و(إشكالية الإسلام والحداثة) وغيرها من الأبحاث التي تحمل بصمة ثقافية من طراز رفيع، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يكون دمية إيرانية. في لبنان لا نعرف شيئا عن دراسة سعد الحريري، ولكن المعروف أنه لا يملك عمقا ثقافيا ولا سياسيا وهو أيضا يرتضي لنفسه دور الدمية السعودية ومنفذ سياساتها في لبنان.

وفي حين يواجه عبد المهدي تحالفا شيعيا سنيا مدعوما من الرياض، يواجه الحريري تحالفا شيعيا سنيا مدعوما من طهران والجميع دمى في الحقيقة تحركها أصابع المصالح الإيرانية -السعودية المتصارعة، ويساعد على هذا التحكم والنفوذ الخارجي طبيعة الأساس القائم عليه نظام الحكم في كل من بغداد وبيروت، حيث تم استنساخ التجربة اللبنانية بعد اتفاق الطائف لتطبيقها حرفيا تقريبا في بغداد، فكلا النظامين يقوم على أساس التقسيم الطائفي والمذهبي والإثني ما يفتح نافذ واسعة تسمح للخارج في العبور إلى ساحة الداخل والتحكم حتى بأدق تفاصيله.

لا شك أن مساومات سرية ومن تحت الطاولة تجري الآن بين الرياض وطهران لأجل حلحلة مشكلة تشكيل حكومة الحريري واستكمال تشكيلة حكومة عبد المهدي وحين نسمع أخبارا طيبة تؤشر على بدء الخروج من مأزق تشكيل الحكومتين سنسمع بالتأكيد أخبارا عن تقارب سعودي -إيراني خاصة مع إصرار المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة على إنهاء الحرب في اليمن والدخول في مفاوضات لحل الأزمة.

أعتقد أنه لا يمكن النظر إلى الملفات الشائكة في المنطقة بمعزل عن بعضها البعض فحتى الثورة السورية لها دور في الانتخابات اللبنانية، وكذلك للحرب في اليمن تشابكاتها في العراق والانفراجة في أي من تلك الملفات قد يليه انفراجات على صعيد باقي الملفات العالقة.

*فؤاد حميرة - من كتاب "زمان الوصل"
(166)    هل أعجبتك المقالة (173)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي