لا شك في أن المظاهرات التي تشهدها محافظة إدلب تدل على نضج ثوري يتجلى في الكثير من الفعاليات واللافتات التي تم رفعها وما هذا الاحتفاء الشعبي الواسع من قبل جمهور الثورة بتلك المظاهرات إلا دليل على انتظار طويل لخطوة ما تشير إلى أن الثورة بلغت درجة من النضج الثوري وأن الناس كانت في عطش عتيق لمثل هذه الحركات الشبابية.
ولكن هل نكتفي بالاحتفاء؟ هل نكتفي بالحديث عن أهل إدلب ومظاهراتهم؟
أعتقد أن الأهم هو الحديث مع أهالي إدلب وليس عنهم فقط (على أهمية ذلك طبعا) ويجب استثمار لحظة النضج الثوري هذه لمد الجسور التي تقطعت سابقا بين الثورة وجمهورها بفعل عوامل عدة لا مكان لشرحها هنا، فالأهم الآن هو استثمار اللحظة والتحدث إلى الأهالي بغية تطوير هذا النضج وتوجيهه الوجهة الصحيحة وعدم ترك الأمور للأهازيج المرحبة والتصفيق المدوي لا بد من حديث جدي وفاعل مع أهالي إدلب لتطوير حراكهم الثوري ما قد يسهم في توسيعه وإعادة الرونق للغة الثورية التي فقدناها والتي تحولت في كثير من الأحيان إلى مجرد لغة شتم وسبّ وتخوين.
على أهلنا في إدلب أن يدركوا جملة من الحقائق أهمها أنهم بحراكهم هذا يؤكدون بدء الخطوة الأولى نحو العمل المستقل المتحرر من غطرسة بعض الممولين الممول ومصالح الممولين الآخرين.
إن قراءة سريعة لبعض اللافتات التي حملها المتظاهرون تكشف عن لحظة حاسمة ثورية حاسمة علينا جميعا أن نتداعى لدعمها ليس بالاحتفال وحده، وإنما بالعمل والقول والتوجيه ولا يدعين أحد أنه يملك كل مقومات التوجيه للعمل الثوري، ولا أن يدلو كل بدلوه، بل المطلوب مؤتمر ما تتم الدعوة إليه وإن كان على عجل للبحث في هذه اللحظة وإمكانية تحويلها إلى زمن ثوري كامل.
على أهلنا في إدلب رفع لافتات قابلة للتحول إلى شعارات ثورية بمعنى أن تكون هناك مطالب لا مجرد شعارات، وعلى العالم كله أن يفهم من الناس مباشرة، وأشدد على مباشرة، لا عبر وسطاء وسياسيين منعا لاستغلال الحراك الجديد القديم.
إن بعض اللافتات المرفوعة لا تعدو عن كونها شتائم لا تقدم بل تؤخر وبالمقابل هناك الكثير من اللافتات التي يمكن أن تتحول ليس فقط إلى مجرد شعار سياسي، بل هي قابلة للتحول إلى مشروع سياسي من مثال (على المسلحين أن يعلموا أنهم في حماية المدنيين وليس العكس) هذه اللافتة أسم على مسمى، فهي تلفت الأنظار فعلا إلى مشروع سياسي ثوري حقيقي إن لاقت الاهتمام المطلوب، فالسلاح لم يتسبب إلا في الفوضى الثورية، وبالرغم من أن تسليح الثورة جاء كنتيجة حتمية ولم يكن غاية في ذاته، إلا أن الفوضى التي عمت توزيعه واستثماره أدتا إلى نتائج كارثية.
نقص آخر أحببت الإشارة إليه وهو ما أثاره الكاتب الصديق (ابن إدلب) الأديب خطيب بدلة حول اختفاء نشاط المرأة في هذه المظاهرات، وهي إشارة جديرة بالدرس والتمحيص، إذ لا بد أن يكون للمرأة السورية دور فيما يحصل خاصة وأنها قادرة وكثير من نسوة الثورة أثبتن جدارة سياسية وعلو كعب فاق في نتائجه الإيجابية نشاط كثير من رجال السياسة، من هنا فإن مشاركة المرأة في كل الفعاليات أمر ضروري وملح.
أمر آخر أشار إليه بعض أصدقائنا الأكراد، وهو خلو اللافتات والشعارات من أي ذكر لحقوقهم وكأنهم غير متواجدين على الساحة وأعتقد أن الإخوة الأكراد قدموا للثورة الكثير مع وجود بعض الأخطاء التي لا ينكرها الأكراد أنفسهم، ولكن علينا أن نؤمن بحقيقة أن الثورة لا تولد الأنبياء.
إن الطهر الثوري الذي تشهده محافظة إدلب دليل على تطور مسار اللغة الثورية، تطور يجب العمل وبسرعة على استثماره وعدم تركه لمشيئة الممول أيا كانت جهته، وعلى العالم أن يسمع صوت الناس مباشرة من أفواههم لا عبر وسطاء أثبتت كل التجارب أنهم لم يكونوا على مستوى المسؤولية، وهذه المظاهرات هي ردة واقعية ونتيجة منطقية لكل الإحباط الذي تسبب به سياسيو الغفلة الثورية الذين حملوا مصالحهم ومصالح مموليهم إلى كل المؤتمرات واللقاءات التي عقدوها. الحقيقة يجب أن نأخذها من ضمائر الناس مباشرة وعلى العالم أن يبدأ خطوات جديدة ليس أقلها بدء مرحلة من التفاوض مع أهالي إدلب مباشرة خاصة بعد اكتمال لحظة النضج الثوري واستمرار مسار اللغة الثورية الصحيحة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية