أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل نحن إرهابيون حقا؟.. فؤاد حميرة*

من إدلب - جيتي

كان النازيون يسوقون اليهود إلى الموت كالنعاج (هكذا يصفهم إدوارد سعيد)، ومع ذلك كانت الدعاية النازية تصف اليهود بـ(الإرهابيين)، وكررت الدعاية الأميركية ذات التهمة ضد الفيتناميين، وأعاد الفرنسيون استخدام المصطلح ذاته ضد الثوار الجزائريين، كما استغلت الدعاية الصهيونية مصطلح الإرهاب في وصف أي تحرك للفلسطينيين الذين تم قتلهم تهجيرهم والاستيلاء على أراضيهم وأموالهم وأرزاقهم.

وعبر التاريخ اعتاد مؤرخو السلاطين والولاة والملوك والأمراء والقادة على وصف تحركات العامة ضد أي ظلم وفساد بعبارات تثير الرعب الذي سامعها آنذاك، ولدى قارئها أيضا في وقتنا الحالي، فكانت الأوصاف تتراوح بين (السوقة –الدهماء –اللصوص –الأوباش –المارقين) إلى آخر ما هنالك من تسميات كان الهدف منها الطعن في أحقية المظلوم بالثورة على الظالم والمطالبة بلقمة العيش أو برفع حيف وظلم أو وقف لفساد مستشرٍ.

عاد مصطلح الإرهاب للتداول بقوة منذ تغير السياسة الأميركية التي كانت قائمة على تحقيق المصالح عبر ديكتاتوريات منتشرة في العالم، إلى تحقيق "تل المصالح" بقوة أميركا ذاتها وكانت أحداث 11 أيلول المنطلق لتنفيذ تلك السياسة، ونذكر حينها كيف كان الرئيس جورج بوش الابن يردد في كل سانحة مقولة الخطر الذي تشكله أسلحة الدمار الشامل العراقية على أمن الولايات المتحدة ولقد ساعده على الترويج لتلك الفكرة (شلة) من المثقفين الكبار تم استحضارهم من متاحف الفكر اليميني المتطرف بهدف إدارة آلة إعلامية مهمتها الأولى الترويج لغزو العراق على أنه حرب استباقية لا بد منها لحماية المواطنين الأميركيين، وحين طرح السيناتور "روبرت بيرد" تساؤلاته على أعضاء مجلس الشيوخ في اليوم الأول للحرب على العراق قائلا: "ما الذي يحدث في تلك البلاد؟ متى كنا نقرر تعريض النظام الدولي للخطر بتبني طريقة نظرية غير عملية في استخدام قوتنا الحربية؟ لم يلقَ من يجيبه على تساؤلاته، بل وتم تهميشها وتهميشه أيضا فيما بعد".

وكانت الإجابات على أسئلة "بيرد" تأتي عبر وسائل الإعلام التي اتهمت حكومة بغداد وقتها بالإرهاب، كما اتهمت كل من لا يؤيد هذه الفكرة بأنه إرهابي أيضا.

واليوم يعود مصطلح الإرهاب للتداول وبقوة وكثافة حتى أصبح القوت اليومي لوسائل الإعلام العالمية لدرجة بات فيها المواطن (الكوني) حبيس هذه الفكرة وأصبحت أخبار الإرهاب والإرهابيين في الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي أهم عنده من أخبار الاقتصاد المحلي المؤثر على عيشه وعمله وحتى أهم من أخبار التشديد القمعي الذي بدأت بعض الحكومات الغربية بتنفيذه تحت حجة الخوف من أعمال إرهابية، وبالتالي صار مصطلح الإرهاب هو الشغل الشاغل للبشرية في كل أصقاع المعمورة على حساب الاهتمام بالبطالة وأخبار الفساد ومحاربته، وما إلى ذلك من شؤون تهم الفرد، ولكنها تريح المؤسسات الكبرى. وهكذا جرى العمل سريعا على تحضير الجبوش والتحالفات الدولية والإقليمية لمحاربة الإرهاب والقضاء على الإرهابيين.

ومن سخرية القدر أن ينضم نظام إرهابي ديكتاتوري كالنظام السوري (بشكل غير معلن) إلى التحالف الدولي الرامي للقضاء على الإرهاب، نظام دمر البلاد وقتل العباد بطائرات "ميغ" وصواريخ "سكود" الاستراتيجية وبراميل الموت المتفجرة، واستقدم الأفغان والإيرانيين والروس وغيرهم من قتلة الأرض، بحجة محاربة الإرهاب، واستشهد في زنازينه آلاف المعتقلين تحت التعذيب، ولكن ما يثير السخرية أكثر هو أن بعض الحكومات الغربية بدأت تنظر لهذا النظام على أنه خندق هام في مواجهة نمو قوى التطرف والإرهاب على حد زعمها.

إن الصورة التي يحبها الغرب عن العربي والمسلم هي صورة الإرهابي، صورة الإنسان المتخلف العاجز عن قيادة نفسه، والصورة التي يحب أن يرى فيها الغرب الدين الإسلامي هي صورة الدين العاجز عن التطور، المتعارض مع مقتضيات العصر والرافض للديمقراطية وتحرر المرأة وحقوق المثليين، نحن إذ لا نعمم هنا على كل الغرب، فالتعميم يؤذن للخطأ، ولكن الحقائق تقول إن معظم المجتمعات الغربية تميل إلى تصديق رواية الإرهاب انطلاقا من الصورة المحفورة في ذهنه عن العربي المسلم المتخلف والجاهز لارتكاب جرائم القتل عند أول فرصة سانحة.
ولكن ...إلى أي مدى أسهمنا كعرب ومسلمين في تقديم صورتنا للغرب كما يحب أن يراها؟

الحقيقة أننا أخطأنا وارتكبنا الكثير من الهفوات التي عززت في أذهان وضمائر الغربيين تلك الصورة القاتمة عن الإسلام والعروبة ولم ننتبه إلى أن الآخر البعيد مكانيا، يميل أساسا إلى تصديق صورتنا الإرهابية، فقدمنا له كل ما يلزم، ليؤكد الصورة القابعة في مخيلته، ولقد أسهمت وسائل الإعلام وخاصة العربية منها في تعزيز تلك الصورة، وأغرب ما في الأمر أن كثيرا من مثقفينا انزلقوا وراء تعصبهم القومي أو تطرفهم الديني فسهو عن التفكير بطريقة تمحو تلك الصورة وآثارها السلبية.

لأسباب عديدة قد نفصلها لاحقا، فشلت ثورتنا حتى الآن في تقديم البعد الإنساني لها، فشلت في إيصال صورة الإنسان والأهداف الإنسانية الكامنة في هذه الثورة، ولذلك تراجع التأييد الشعبي لها عربيا ودوليا وكان حريا بالمؤسسات المسؤولة الاعتماد على أصحاب الخبرة من المثقفين وخاصة في مجال الإعلام ووسائل التواصل الإعلامي، وصار من الضروري جدا (رغم التأخر) وضع آليات جديدة ورسم خطط مغايرة، لما كان سائدا في الثورة، على صعيد تغيير صورة صورتنا في نظر الآخر، فنحن شعب ثار لأنه يعشق الحياة، ثار لأنه يعشق العدل، شعب ثار لأنه يعشق الحرية ويريدها له ولغيره من شعوب الأرض.

*من كتاب "زمان الوصل"
(178)    هل أعجبتك المقالة (167)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي