صعدت الجسر رغما عني ، 
خوف سيطر على أوصالي ، 
تذكرت عندها ما قالوه عن خطر السقوط نتيجة التدافع فوق الجسر ، 
وجدتني أسير غصبا وسط الجموع ، 
تتدافع أمواج الآلاف من البشر من خلفي ، 
مجرد التفكير في التوقف درب من دروب الخيال ، 
أحسست و كأنني محمولا ، قدماي بالكاد تلامس الأرض ، 
أنقلهما بسرعة مخافة اعتراض هذه الحركة التوافقية للجموع من ورائي ، 
فجأة علق نعلي ، 
عندها سقط قلبي بين قدماي ، 
تذكرت لحظتها نصيحة أخي الأكبر ، 
إذا حدث هذا لا قدر الله فانزع قدمك بسرعة و إلا وقعت بين الأقدام ، 
و ساعتها قل على نفسك يا رحمن يا رحيم ، 
أفلت قدمي كالصاروخ من بين فكي الموت ، 
نجوت بحمد الله من الكارثة حافيا ، 
حاولت السيطرة على نفسي و التماسك مرة أخرى ، 
عندما اقتربنا من منتصف الجسر ازداد التدافع قوة ، 
وجدت الناس تتقاتل للهرب بعيدا عن حافة الجسر مخافة التردي ، 
كلما لفظ التدافع أحدهم ناحية أسوار الجسر يستميت للهرب من مجرد تخيل السقوط ، 
عدوى هلع استشرت بين الجموع ، 
حاولت جاهدا التخفيف من روعهم ، 
حاولت تذكيرهم بهذه الروحانيات التي تعبق المكان من حولنا ، 
حاولت تذكيرهم بنبي الرحمة ( صلى الله عليه و سلم ) ، 
حاولت تذكيرهم بوصيته بتوادهم و تراحمهم ، 
حاولت و حاولت و لا فائدة ، 
ازداد التدافع شراسة ، 
فجأة وجدتني مدفوعا تجاه هوة بين الناس ، 
فراغ من البشر يحاول الجميع الهرب بعيدا عنه ، 
تخيلت للوهلة الأولى أنه ناتج عن حجر أو صندوق تحكم كهربي يعترض الطريق ، أو ربما هوة حدثت بالجسر ، 
فجأة بدأت الغشاوة تزول أمام عيني ، 
يا للهول ، 
امرأة ؟؟؟؟؟ 
لا لا لا غير معقول ، 
إنما هو كابوس ، نعم كابوس ، 
تضرعت إلى الله أن يكون كابوسا ، 
لا حول و لا قوة إلا بالله ، 
هل هي حقيقة ؟ 
امرأة سقطت بين الأقدام ؟ 
يبدو أنها بالفعل حقيقة ، 
نعم أرى امرأة هناك ، فركت عيني جيدا ، 
و الله إنها الحقيقة المخزية ، امرأة في عقدها السابع سقطت تدوسها الأقدام ، يا للهول ، 
ممددة المسكينة أرضا ، عبثا تحاول النهوض و لا فائدة ، 
حاولت إحداهن مساعدتها ، و إذا بها تسقط هي الأخرى ، 
صرخت بأعلى صوتي ) 
: رحمتك يا الله ، يا لطيف ، يا لطيف . 
( حاولت جاهدا الابتعاد عنهما ، حاولت و حاولت و لا فائدة ، 
وجدتني مشدودا إليهما رغما عني ، 
وقعت عيني بعينيها ، 
وجدتهما عينا أمي عليها رحمة الله ، 
أخذت تستعطفني بنظراتها ، أنقذني يا بني ، 
فاضت الدموع من عيني ، أغرقت الكون من حولي ، 
لا أستطيع يا أمي ، و الله الذي لا إله إلا هو لا أستطيع ، 
إنما تدفعني الجموع من خلفي رغما عني ، 
لو حاولت مجرد المحاولة لسقطت معها كهذه المسكينة بجوارك ، 
أخذت لأخرى تصرخ تحاول النهوض و لكن لا فائدة ، 
وجدتهما تختفيان تحت الأقدام ، 
حاولت أن أهرب بعيني من نظراتهما ، 
دفعتني الجموع تجاههما ، 
حاولت و حاولت و لا فائدة ، 
أحسست بأقدامهن الرخوة تحت أقدامي ، 
أخذت أبكي و أصرخ ) 
: سامحيني يا أمااااااااااااه ، 
أرجوك سامحيني يااااااااااااا أمي . 
( صم أذني صوت تتكسر عظامهما الهشة تحت أقدامي الحافية القذرة ، 
دارت الدنيا من حولي ، 
كلما حاولت تذكر ما حدث بعدها ، 
ترتد أبواب الذاكرة ، تعتصرني بين مصراعيها بقوة ، 
أجدني أجهش بالبكاء حتى أفقد الوعي ثانية ) 
					
				
						
								
								
								
								
								
								
								
								
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية