أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وقفات خاطفة في ذكرى انطلاقة حركة حماس ... أ.د. محمد اسحق الريفي

تأتي الذكرى الوحدة والعشرون لانطلاقة «حماس» وشعبنا الفلسطيني يتعرض لمحنة عظيمة، فقد أصبح يتحكم في مصيره عرب يتجهمونه ويتنكرون لحقه عليهم ويتواطئون ضده مع العدو الصهيوني، الذي أغراه هذا التواطؤ بالإمعان في الاعتداء على شعبنا، والذي وجد من أبناء شعبنا من ينفذ أجندته ويحمي أمنه، فكان لا بد من وقفات خاطفة مع مسيرة «حماس» في معمعة الصراع الذي تخوضه على جبهات عدة منذ وصولها إلى الحكم والسلطة.

لم ترد حركة المقاومة الإسلامية «حماس» من مشاركتها في النظام السياسي الفلسطيني إلا الإصلاح والتغيير وحماية المقاومة، ولا سيما بعد أن أصبحت تصفية المقاومة الفلسطينية هدفاً لاتفاقيات أوسلو وملحقاتها الأمنية وخريطة الطريق الأمريكية. وبعبارة أخرى، كان الهدف من دخول «حماس» في المعترك السياسي هو تقويض نظام أوسلو الذي كرَّس الاحتلال الصهيوني لفلسطين ومنحه شرعية زائفة وجلب لشعبنا الفلسطيني المعاناة والعار، وجعل الصراع الداخلي حتمية لا مناص منها.

وأراد رئيس السلطة محمود عباس من دخول «حماس» في نظام أوسلو حشرها في زاوية وممارسة الضغوط الصهيونية والأمريكية والأوروبية والعربية عليها، وابتزازها، ومساومتها على ثوابت شعبنا وحقوقه، وتقييدها بالشروط والمحددات الصهيوأمريكية، وإجبارها على التسليم باستحقاقات أوسلو الأمنية والخضوع للإملاءات الصهيوأمريكية...

وعندما تبين لعباس والصهاينة والأمريكيون فشل خطته للإيقاع بحركة «حماس»، ولا سيما بعد نجاحها في السيطرة على الأوضاع الأمنية في غزة، واستئصال شأفة الانفلات الأمني، وإفشال تآمر دايتون للقضاء عليها، قام عباس على الفور بإخراج «حماس» من نظام أوسلو، فأقال الحكومة الحادية عشر وكلف سلام فياض بتشكيل حكومة لم تتحقق دستوريتها بمصادقة المجلس التشريعي عليها. ثم ذهب عباس بتوجيهات من حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية إلى أبعد من ذلك، إذ قام ببتر غزة من الجسد الفلسطيني، وحاصرها، وأنزل بأهلها عقاباً جماعياً مؤلماً، لتحريضهم ضد «حماس» والحكومة التي تقودها. وفيما بعد، أصدر عباس مراسيمه العبثية لإلغاء المجلس التشريعي، من الناحية العملية، بالتواطؤ مع الاحتلال، الذي قام من جانبه بخطف نواب «حماس» في الضفة المحتلة.

وبذلك يكون عباس قد أوصد كل الأبواب في وجه «حماس»، وحرمها من المشاركة السياسية الحقيقية والإصلاح والتغيير، واستنزفها وحكومتها في المناكفات والنزاعات السياسية مع سلطته وحزبه وحكومة فياض الباطلة. ليس هذا فحسب، فقد أستنفد عباس وجماعته جهود «حماس» في توفير رواتب الموظفين وحل مشاكل الإضرابات التي دعا إليها في قطاعات الصحة والتعليم والشرطة وغيرها، وذلك بتسليط سيف الحرمان من الرواتب على رقاب الموظفين. ثم اضطر عباس بعد ذلك «حماس» إلى خوض نزاعات مع بعض العائلات الغزية...

وعلى صعيد الإصلاح في مجالات الاقتصاد والصناعة والتجارة والزراعة والسياحة وغيرها، لم تتمكن حكومة «حماس» من تحقيق أي إنجازات ملموسة، إذ تقع كل هذه المجالات حصرياً تحت سيطرة المحتل الصهيوني، إضافة إلى الحصار المفروض على غزة، الذي أعاق أي إصلاح في كل المجالات السابقة ومجال الصحة...

وفيما يتعلق بحماية المقاومة، فقد تحقق ذلك بشكل جيد في غزة، رغم استمرار استنزاف الاحتلال للمقاومة واغتيال مئات المقاومين والمدنيين، ولكن مع التهدئة، وتحت وطأة حصار غزة، فقدت المقاومة جزءاً من فعالياتها ضد الاحتلال، وبد الأمر من وجهة نظر غير المطلعين على أنشطة المقاومة المتعلقة بالتطوير والتدريب والتعبئة والاستيعاب على أنه تراجع للمقاومة، فاستغل أعداء نهج المقاومة والممانعة التهدئة لافتراء الأكاذيب بأن «حماس» تخلت عن المقاومة وهادنت المحتل، بل حتى يقال أنها منعت الفصائل الأخرى من مقاومة الاحتلال!! واستغل عباس وجماعته والجهات التي تقف وراءه هذه الأكاذيب لشن حملة إعلامية مضادة لحركة «حماس» وحكومتها.

أما في الضفة المحتلة، فقد وقعت المقاومة وفصائلها بين مطرقة جيش الاحتلال الصهيوني وسندان أجهزة عباس-فياض، وقد رأينا تغوّل المستوطنين اليهود والصهاينة على مدينة الخليل وقراها، وغيرها من مدن الضفة المحتلة وقراها، بعد انتشار أفراد أجهزة عباس-فياض في تلك المدن والقرى، وملاحقتهم للمقاومين، وتجريدهم من أسلحتهم، وإلقاء القبض عليهم...

لذلك فإن أهداف «حماس» المتعلقة بحماية المقاومة والإصلاح والتغيير لم تتحقق، رغم جدية المحاولات المبذولة، ففي مقابل حماية المقاومة وتحقيق الأمن في غزة، انتقل الانفلات الأمني والفوضى الهمجية إلى الضفة المحتلة، فأصبحت المقاومة في الضفة المحتلة تتعرض لحرب شرسة تشارك فيها أجهزة عباس-فياض جنبا إلى جنب مع جيش الاحتلال الصهيوني والمستوطنين اليهود والصهاينة، برعاية أمريكية وتواطؤ عربي ودولي.

ومما شكل عقبة كئوداً أمام «حماس» نحو إنجاز برامجها وتحقيق أهدافها، المواقف المشينة للأنظمة الرسمية العربية التي تدور في الفلك الأمريكي وتعادي حركات الإسلام السياسي. فقد ساهمت هذه الأنظمة بفعالية في عزل حكومة «حماس» وحصار غزة الإجرامي، ودعمت أجهزة عباس-فياض، إضافة إلى أنها باركت مؤتمر أنابوليس وما تمخض عنه من اتفاقيات معادية لحقوق شعبنا وطموحاته. كما أضفت تلك الأنظمة شرعية عربية غير مبررة على عباس وسلطته وحكومة فياض، ورهن وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعهم الأخير (27/11/08) بقاء عباس على رأس السلطة باستمرار الانقسام، الذي تعمل هذه الأنظمة على استمراره كوسيلة للضغط على «حماس» وابتزازها.

كما وظفت تلك الأنظمة الرسمية العربية الصراع الداخلي الفلسطيني في تبرير تخاذلها وتواطئها ومواقفها غير المنصفة للشعب الفلسطيني، وفي منع التفاعل الشعبي مع القضية الفلسطينية، عبر قمع المسيرات وشن حملات إعلامية معادية «حماس» وداعمة لنهج التسوية الفاشلة. أدى ذلك إلى تعطيل العمق العربي للقضية الفلسطينية، وهو العمق الاستراتيجي الذي لا بد من تفعليه، لتطويق المشروع الصهيوني، وكسر الحصار عن غزة، والتصدي لعمليات التهويد والاستيطان اليهودي والصهيوني في فلسطين المحتلة...

ولذلك لا يمكن إحراز أي تقدم في القضية الفلسطينية دون إحداث تغيير مناسب في منطقتنا، وبالتحديد في الأنظمة السياسية للدول المحيطة بفلسطين المحتلة، ولا سيما تلك التي لها علاقات سلام مع كيان الاحتلال الصهيوني وعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتتخذ من السياسة الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط مرجعية لها في تعاطيها مع القضية الفلسطينية، ولا تملك إلا الانصياع التام للإملاءات الصهيوأمريكية.

ورغم أن دخول «حماس» في المعترك السياسي له جوانب إيجابية عديدة على القضية الفلسطينية، طغى الصراع الداخلي على القضية الفلسطينية، مما كان له أثر سلبي على العمق العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية. كما انعكست بعض الممارسة الخاطئة لحركة «حماس» سلبياً على التأييد الشعبي العربي لها، إذ استغل أعداء نهج المقاومة هذه الأخطاء لتشويه صورة المقاومة والنيل من قدسيتها وطهرها، رغم أن هذه الأخطاء تسببت فيها المؤامرات الكبيرة على «حماس» وحكومتها. فقد ظن الكثيرون أن «حماس» تخوض مع عباس وحركة «فتح» صراعاً على المناصب والكراسي، وأن معاناة الشعب الفلسطيني ناتجة عن الصراع الحزبي بين الحركتين، وليس عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين.

إذن لا بد من عملية تقييم شامل لدخول «حماس» في نظام أوسلو وانعكاساته على العمق العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية، إذ لا يمكن إحراز أي تقدم دون تفعيل هذا العمق إلى أعلى مستوياته وعلى كافة الصعد.

وفي كل الأحوال، لا يمكن السماح بإعادة سيطرة أجهزة الانفلات والتعاون الأمني مع الاحتلال والأمريكان على غزة، كما لا يمكن السماح بإجراء انتخابات رئاسية و/أو تشريعية في أجواء التآمر والحصار والضغوط الرهيبة على شعبنا الفلسطيني والحرب الشرسة على المقاومة في الضفة المحتلة. ولا بد من الاستمرار في مقاومة نظام أوسلو والعمل على تقويضه بكل السبل. ولا بد لحركة «حماس» من الانتقال من وضع المدافع عن نفسه في حمأة التآمر الرسمي العربي إلى الهجوم على المتآمرين، لتعريتهم وفضح تواطئهم ضد شعبنا مع العدو الصهيوني والأمريكي. ولا بد من دعوة صريحة وقوية للحركات الإسلامية في الدول العربية إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه الشعب الفلسطيني والكف عن مناشدة الحكام بنصرة الشعب الفلسطيني، الذي يدافع عن وجوده وكرامة أمتنا ودينها ومقدساتها.

6/12/2008

(113)    هل أعجبتك المقالة (104)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي