لمن أخذته العزة بالإثم
بعد أن ميزنا بين الخبيث والطيب، بين المال السياسي البناء، والمال السياسي المفسد، وتمنينا على الجميع العودة عن الخطأ وتقويم الممارسات عملا بسنة رسول الله. يأتي اليوم الجهد الأمريكي الدولي لبذل الجهود من أجل رأب الصدع، وهذا ليس حبا بالمعارضة ووحدتها أو بالشعب السوري، بل من أجل عيون "جنيف" التي صارت في مهب الريح، بعد أن ضربها خمسون بطلا بكراسيهم، رافضين السير في مسار العار.. فأصبح علينا كرمى لعيون الدول المزج من جديد بين الخبيث والطيب، والنجس والطاهر، وبين الأيمن والأيسر، ونتوحد على باطل وخيانة، ولا نفرق بين حق وباطل، ووطني شريف وخائن فاسد.
سرعان ما حضر السفراء، و كالعادة تنطح الآوادم (الكبار) لتبييض الوجه أمامهم وتقديم طلبات الوكالة لأسيادهم.. ومنهم دكتور التقاسم، ومعلم التلون، وصناعي الصفقات، وأستاذ التدوير، ليطرحوا أنفسهم كمنقذين لأصدقائهم السفراء، ومهندسين لشؤون المعارضة بالطريقة التي ترضيهم، وهم في الواقع يقومون كعادتهم بهندسة قسمة الكعكة، وخداع التمثيل الكاذب، و تغطية الفساد السياسي ووضع الأنظمة المطاطية، وقد جربناهم وأكلنا من طبخهم طيلة الفترة الماضية فماذا كانت النتيجة؟ ماذا قدمت مجالسهم ومبادراتهم للثورة السورية غير الفشل.. ومع ذلك لا ينأون بأنفسهم ويقتنعوا بعجزهم وفشلهم، بل يسرعون للسفراء الذين دوختهم الضربة ليقولوا: ليس لكم غيرنا نحن لكي نعيد الود والوئام، ونعيد صيغة تقاسم الكراسي والمنافع والكعك بين الكتل المتكتلة حول مصادر الدعم، وتريد فقط تقاسم الكراسي بشكل منصف (ديمغراطي توافقي)، والتعاون على اختطاف قرار الشعب السوري.
والملفت أن هؤلاء يشترطون فقط إقصائي أنا واستبعادي عن أي صفقة مصالحة علنا وبوقاحة،كونهم يعلمون أنني خبير تاريخي بسلوكهم وعيوبهم وعثراتهم، و قادر بعون الله على تخريب ألعابهم.
وهم يتوهمون أن من رفسوا الكراسي بأقدامهم سيعودون ويلحسوا ما بصقوا عليه قرفا وضجرا، ويصرحون أن من انسحبوا قاموا بذلك لأنهم خسروا الانتخابات، وسيعودون عندما نقسم الكعكة معهم، ولا يفهمون أن المنسحبين رفضوا البقاء في كل هذه التركيبة الفاسدة الفاشلة بعد أن يئسوا من إصلاحها، وهي التي زادت سوءا بعد انضمام كوادر هيئة التصفيق إليها بالتوسعتين، وبعد امتلاكهم أغلبية الأصوات فيها.
أما المتضرر الأكبر من ضربة الأمس، والذي طارت الكعكة من بين يديه، فقد زاد عنده الجنون وبدأ يهددني ويتوعدني شخصيا، وهو المتهم السابق الحالي بالإرهاب، والذي اعتاد على شراء مناوئيه بالمال، وعندما يفشل يبعدهم بالتصفية والاغتيال منذ أيام المرحوم عبد الناصر مرورا بالمرجوم حافظ، وصولا لأيام "السي سي" الذي جدد لهم صفتهم تلك والتي ستلاحقهم أيمنا ارتحلوا.. وقد كشفت الضربة عورتهم أمام قواعدهم التي لم يعد ينطلي عليها ما يقوم به قادتهم فوق وتحت الطاولة، وإرسالهم الرسائل للصديق والعدو، وصارت تفكر جديا في الإطاحة بهم، وتجديد دماء تنظيمها، وأنا حزين على كل من يهدد وينسى أن الأعمار بيده وحده.
يضاف لهؤلاء حلفاؤهم الذين يرحبون باستقالتي من الديمقراطيين الشيوعيين التنسيقيين السابقين، الذين لم يتوحدوا يوما على أي صيغة سياسية، رغم المحاولات العديدة.. لكنهم فقط توحدوا بسهولة وقدرة قادر، عندما توحدت مصادر المال و"اللحوسة"، وسلمت لعراب واحد، يجلس في السويت ويوزع المغلفات على القاصي والداني لشراء الولاء لشخصه، وبالمعية (لمشروع الجيش الوطنجي الذي يبيعه لأكثر من جهة وبأسعار خيالية) وأنا فعلا حزين لأجل صديقي القديم الذي ربما صمد في معركة الاعتقال، لكنه سقط بسهولة في امتحان المال والسلطة والجاه.
وللعلم فقط أنني ما أزل أنبه وأحذر فقط، فهناك الكثير من الغسيل القذر الذي تعجز عنه المنظفات والغسالات يمكن أن ينشر، إذا لم يكفونا شرهم ويبتعدوا عن اختطاف ما ليس لهم، فتمثيل الشعب السوري أمانة يجب أن تعود لصاحبها، ولن تسرق لتذهب بنا نحو جنيف.. ولن تمر هكذا صفقات على دماء الشهداء بالتدليس والاحتيال، على الأقل طالما بقيت قادرا على الكلام؛ لأن الموضوع ليس شخصيا كما يفهمونه، إنه موضوع حق وباطل وموضوع وطني يتعلق بتمثيل الشعب السوري، وليس تنافسا على مصادر القطري أو السعودي، ولا تنافسا بينهما كما يوحون للغير، فقطر والسعودية براء ممن يتكلمون باسمهم، ويدعون عن لسانهم ما لم أسمعه يوما منهم، وبراء ممن يوهمون الغير أنهم "زلم" هذه الدولة أو تلك.. ويستخدمون المال المقدم منها لدعم الثورة في بناء نفوذهم الشخصي، والإنفاق على شبيحتهم "ضريبة البوكس"، وهو المال المرسل فقط للجرحى والأرامل واليتامى والمهدمة بيوتهم والمهجرة أسرهم، المؤمنين غير الضالين، ولم يرسل لكي يصرفوه في فنادق خيالية وطائرات خاصة ومقاعد "بيزنيس" حتى وصل مصروف أحدهم العادي اليومي الشخصي من دون سفر بحدود 7 آلاف دولار وسطيا.. وهو عضو مسؤول في قيادة ثورة شعب يموت جرحاه من دون دواء، وأطفاله من دون حليب.
كم هي جميلة مقولة: "مالي الشخصي الخاص"، مع العلم أن الظاهرة ليست فردية، ومثالنا الذي ذكرناه ليس هو السباق فيها، بل الأسرع. ولا أقصد بذلك طرفا معينا أو اسما واحدا فقط، فالثورة كلها قد تلوثت بهذه الظاهرة التي يجب أن نحاربها في أنفسنا قبل غيرنا. لا أن نمعن في الدفع لشراء من يقبل بالعودة عن استقالته، وبيع ضميره بسعر أعلى.
وهنا لابد أن تقوم الدول الشقيقة برفع الغطاء عن هؤلاء والإعلان عن مقدار الهبات والمنح المقدمة لهم؛ لتتم محاسبتهم واستبعادهم، لا أن يسعى سفراء الدول "المحترمة" لستر عوراتهم وتجديد وتمديد فسادهم، والاعتراف بأنهم الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري الذي لو مثلوه لكان على شاكلتهم من البؤس والخزي معاذ الله.. وكل ذلك فقط لأنهم لا يعصون أمرا للسفراء.
نعم أحذر الذين يخرجون على الإعلام ويكذبون.. فالشعب يسمع ويفهم ويحكم.. والموضوع ليس تقاسم الكراسي، ولا نتائج الانتخابات، بل الفشل في تمثيل الشعب والثورة، والفشل في قيادتها.
المطلوب ليس مجلس وجاهات و"بروظة" يا دكتور ويا أستاذ ويا سيد ويا مهندس ويا رجل أعمال ويا شيخ و يا ابن العيلة.. و"القبضاي" ليس الذي يخطف كرسي ويجلس عليه، بل من يسمع صوت شعبه ويطيعه.. والمطلوب هو إصلاح خلل التمثيل بوضع الآلية الصحيحة لإنتاج قيادات حقيقية من الداخل، ومن العمل العسكري الثوري على الأرض، وإلا سنبقى متطفلين ومرتزقة وفي النهاية خونة، حتى لو اعترف بنا العالم، فهو سيعترف بنفسه وبوكلائه، وليس بإرادة الشعب السوري.. ورحم الله امرئ عرف حده فوقف عنده.
وإلى الذين يهددون ويتوعدون أقول: لو كنا نخاف الأرانب ما زرعنا جزر، قبلكم جرّب بشار وهدد وتوعد.. وشاهد منا ما شاهد، أما الكذب والنفاق والإنكار فقد فاق النظام غباء وسذاجة.. يقولون: "ما في استقالات ولا أزمة" إجراء روتيني وعادي واستبدال.. فمسيرة الكذب والنفاق وجنيف والعار تسير ولن يوقفها أحد، حتى لو استقال الشعب السوري كله.. حسبي الله.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية