أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لا تلوموا الحكام بل قوموا عليهم ... أ.د. محمد اسحق الريفي

ثمة معادلة يجب على الشعوب العربية أن تتعامل وفقها مع أنظمتها الحاكمة، وهي أن تدعم هذه الأنظمة المقاومة الفلسطينية مقابل بقاء هذه الأنظمة في السلطة، وهذه المعادلة هي الوسيلة الأنجع لكسر التحالف الاستراتيجي بين الأنظمة الرسمية العربية والولايات المتحدة الأمريكية.

فلم يعد من المجدي مطالبة الأنظمة الرسمية لدول "محور الاعتدال العربي" بالخروج عن صمتها حيال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الصهيوني بدعم أمريكي كامل ضد الفلسطينيين في الضفة المحتلة وقطاع غزة، إذ كيف نطلب ذلك من هؤلاء الحكام وهم يخشون انتصار المقاومة ويشاركون بفعالية في جريمة الحرب ضدها.

ولم يعد من الممكن التعويل على رجوع هذه الأنظمة إلى صوابها ودينها دون إجبار الشعوب العربية لها على القيام بذلك، فهذه الأنظمة دفعها حرصها الشديد على احتكار السلطة إلى الانصياع للولايات المتحدة الأمريكية، ضاربة بعرض الحائط مصير الأمة وخيارات الشعوب، ومنتهكة لحقوقها وكرامتها، لأنها ببساطة واقعة تحت ضغط أمريكي كبير.

وهذا الضغط الأمريكي هو الأساس الذي تقوم عليه الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، حيث يرتهن بقاء الأنظمة الحاكمة في سدة الحكم بمدى قدرتها على قمع الشعوب ومنعها من مقاومة الاحتلال الصهيوني وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وأهم هذه المصالح الكيان الصهيوني.

وحيث إنه لا يفل الحديد إلا الحديد، فإن الاستراتيجية الشعبية لمواجهة تلك الاستراتيجية الأمريكية يجب أن تبنى على أساس إيجاد وسائل للضغط على أنظمة الحكم إلى حد إحداث توازن يحرر هذه الأنظمة من الضغط الأمريكي ويمنحها فرصة للإصلاح الشامل الذي تطمح إليه الشعوب.

ومن البديهي القول أن قدرة الشعوب العربية على ممارسة ضغوط كبيرة على الحكام تعتمد على الوعي والإرادة. والوعي يجعل الرأي العام العربي والإسلامي يدرك أهمية دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته في إفشال مخططات الهيمنة الصهيوأمريكية على المنطقة وحماية وجود الأمة من الضياع.

وفي هذا السياق، على الأمة أن تعيَّ أن المشروع الصهيوني لا تنحصر أهدافه في احتلال فلسطين وإقامة دولة يهودية على أنقاضها، فالصهاينة يطمعون في مياه النيل، والأيدي العاملة المصرية، ونفط العرب، وأراض عربية تصل مساحتها إلى أضعاف مساحة فلسطين، والثروات العربية الطبيعية والزراعية، والقضاء على الثقافة الإسلامية، والاستيلاء على الأموال العربية...

ولذلك فإن ترك الشعوب العربية والإسلامية العدو الصهيوني والأمريكي ينفرد بالشعب الفلسطيني ويمارس بحقه أشد الضغوط ويراوده على كرامته وحقوقه وثوابته وأرضه، ويضعه أمام معادلة جائرة قاسية: إما الموت الزؤام والمعاناة القاسية وإما الاستسلام، يشكل خطراً فادحاً على الشعوب العربية والإسلامية ومصير أمتنا ووجودها.

ومن المؤكد أن حالة التقاعس الشعبي العربي والإسلامي عن نصرة المقاومة الفلسطينية والعجز عن القيام بفعاليات شعبية ضاغطة على الأنظمة الحاكمة ومخيفة للاحتلال الصهيوني والإدارة الأمريكية على حد سواء، لن يقيَّ العرب والمسلمين ما ينتظرهم من شرور صهيوأمريكية، بل إن هذا التقاعس يشجع العدو الصهيوني والأمريكي على الإمعان في التنكيل بالشعب الفلسطيني وارتكاب المزيد من الجرائم الدموية ضده، ولولا صمود هذا الشعب المجاهد لفتح العديد من الحكام عواصم بلادهم للصهاينة وأقاموا علاقات طبيعية معهم.

أما الإرادة، فهي كفيلة بأن تخرج المواطن من مرحلة الوهن، وهي حب الدنيا وكراهية الموت، وتجعله مواطناً صالحاً فاعلاً، وتحرره من الخوف من قمع السلطة وتجعله قادراً على إحداث التغيير الذي ينشده. ولا شك أن العدو الصهيوني والأمريكي يدرك تماماً دور الثقافة الإسلامية في تكوين الإرادة القوية التي لا تنكسر لدى أبناء الأمة، وذلك عبر ثقافة الجهاد والاستشهاد في سبيل الله وتحمل المشاق والتضحيات الجسيمة في سبيل الله واحتساب كل ذلك عنده عز وجل.

ولقد كشف ضعف التفاعل الشعبي العربي والإسلامي مع قضايا الأمة المصيرية وعجزها عن نصرة الشعوب التي تعاني من ويلات الاحتلال الصهيوني والأمريكي وعدم قدرتها على تشكيل قوة عربية وإسلامية ضاغطة على الأنظمة الرسمية عن المشكلة الحقيقية التي أصابت هذه الشعوب بالشلل السياسي، هذه المشكلة تتجسد ببساطة في عدم وجود قيادات شعبية قادرة على التوجيه والتخطيط وبناء استراتيجيات شعبية فاعلة مؤثرة وقادرة على الصمود في وجه قمع السلطات.

وأرى أن ممارسة الضغوط على أنظمة الحكم لا يحتاج إلى اللجوء إلى العنف، وإنما يحتاج إلى تخطيط ذكي وبناء استراتيجيات شعبية قادرة على توظيف الرأي العام العربي والإسلامي في الضغط على السلطة وتوظيف الظروف الإقليمية والعالمية في إجبار السلطة على الانحياز لصف الأمة والاستجابة للإرادة الشعبية ومقاومة الضغوط الأمريكية.

والحالة الفلسطينية تجسد حالة العجز الشعبية العربية والإسلامية، فأنظمة الحكم الخاضعة للولايات المتحدة الأمريكية هي التي تدعم سلطة أوسلو، التي تمثل الوجه الآخر للاحتلال الصهيوني، وهي التي تحاصر الشعب الفلسطيني، وهي التي تحارب حركة حماس وتتآمر على الحكومة الشرعية التي تتولاها وتشارك في عزلتها، وهي التي تبارك بصمتها التهديدات الصهيوأمريكية باغتيال قادة حركة حماس وقادة المقاومة، وهي التي تشجع بصمتها التهديد الصهيوني بمحرقة في غزة أعلن عنها قادة الصهاينة بكل وقاحة وخسة.

أتمنى على الشعب الفلسطيني أن يكف عن وصف الأنظمة الرسمية العربية الخاضعة للإدارة الأمريكية بالصامتة والمتخاذلة والنائمة وغير ذلك من أوصاف لا تعبر عن الدور الحقيقي لهذه الأنظمة، وإنما يجب وصفها بأوصاف أكثر دقة في التعبير عن مشاركتها في جريمة الحرب على المقاومة الفلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية.

29/2/2008م

(107)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي