أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

العربة قبل الحصان.. تخبطات هيكلية تعرقل إصلاح قطاع النفط السوري

أرشيف

في الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى تطوير قطاعاتها النفطية عبر تبني أحدث النظم الإدارية والتقنية، يبدو أن القطاع النفطي السوري لا يزال يراوح مكانه في دوامة من التخبطات الإدارية والهيكلية. القضية ليست مجرد نقص في الموارد أو الخبرات، بل تكمن في منهجية العمل ذاتها؛ حيث تُوضع "العربة قبل الحصان"، مما يؤدي إلى إهدار الوقت والجهد دون تحقيق تقدم حقيقي على الأرض.

مخاض عسير.. وهيكلية لم ترَ النور بعد:
على الرغم من مرور نحو سبعة أشهر على إصدار مرسوم إحداث وزارة الطاقة لتكون خلفاً للوزارات الثلاث، ومرور شهرين على تأسيس "الشركة السورية للبترول" (SPC) ككيان منفصل عن الوزارة، إلا أن هذه الشركة الوليدة لا تزال تخوض مخاضاً عسيراً.

التحدي الأكبر يكمن في عدم وضوح هيكليتها الإدارية وآليات عملها؛ إذ لم تُحدّد بعد الأسس التنظيمية التي ستسير عليها. وفي حين يُعتبر النظام الإداري الحالي للقطاع النفطي السوري فريداً في تصميمه ولا يشبه أنظمة دول المنطقة، إلا أنه في الوقت ذاته بات قديماً ولم يخضع لتطوير حقيقي يواكب متطلبات المرحلة الراهنة.

السفر للاستطلاع.. حل ترقيعي أم محاولة للاستفادة؟
في محاولة للبحث عن حلول، أُوفد مؤخراً وفد إداري ومالي رفيع المستوى من الشركة، يضم نحو سبعة أعضاء -بينهم مدير التنمية الإدارية ماجد حديد والمدير المالي أبو تميم- إلى المملكة العربية السعودية للاطلاع على هيكلية شركة "أرامكو" العملاقة.

هذه الخطوة تطرح تساؤلات جوهرية: هل تكفي زيارة استطلاعية لفريق إداري غير ملمٍّ بالكامل بتفاصيل عمل المؤسسات النفطية السورية المراد دمجها؟ خاصة وأن هؤلاء المسؤولين كانوا يعملون سابقاً في "إدارة المشتقات النفطية" التابعة لـ "حكومة الإنقاذ"، ولم ينخرطوا مسبقاً في القطاع الحكومي القائم ليتمكنوا من وضع هيكلية بديلة له. ألم يكن من الأجدى دراسة الواقع المحلي أولاً بمشاركة خبراء متخصصين يتم استقدامهم لهذا الغرض؟

إن القطاع الحكومي ينطوي على تعقيدات وتشعبات مالية وإدارية هائلة، ومن المرجح أن الأشخاص الذين تم إيفادهم غير مطلعين بالقدر الكافي على هذه التفاصيل؛ والدليل أن الهيكلية التي وضعوها سابقاً جاءت مليئة بالثغرات.

أين الخلل في المنهجية؟
يبدو أن جذر المشكلة يكمن في منهجية اتخاذ القرار، والتي يمكن تلخيص إشكالياتها في النقاط التالية:
- التسرع في الإعلان عن الهيكل قبل اكتمال مقوماته: صدور مرسوم الإحداث بشكل مبكر، دون دراسة شاملة لنظام الإدارة والهيكلة المطلوبة، أو لطبيعة أنظمة التعاقد الدولية الخاصة بقطاع النفط، أدى إلى فراغ تنظيمي يعرقل سير العمل.

- غياب الاستعانة الاستباقية بالخبرات العالمية: بدلاً من إضاعة شهور في تجارب ذاتية، كان من الممكن الاستعانة بخبراء إداريين من شركات عالمية مثل "أرامكو" منذ البداية، وشرح الواقع السوري المعقد لهم للاستفادة من تجربتهم في رسم المخطط المناسب، بدلاً من محاولة "إعادة اختراع العجلة".

- فجوة الخبرة لدى الفريق المعني: يفتقر معظم أعضاء الفريق المسؤول عن هذه المهمة الصعبة إلى الخبرة السابقة في العمل داخل مؤسسات القطاع العام، ناهيك عن عدم الإحاطة الكاملة بآليات عمل وتفاصيل المؤسسات النفطية المراد دمج أصولها.

النجاح السياسي لا يغني عن الإصلاح الإداري:
لا يمكن إنكار حدوث تحسن نسبي في أداء القطاع النفطي مؤخراً، مثل عودة بعض الشركات الأجنبية، وهو أمر يُعزى في جوهره إلى تحسن المناخ السياسي والانفراج الدولي تجاه سوريا، مما يُعد "نجاحاً سياسياً" بامتياز. لكن هذا النجاح، رغم أهميته، لا يمكن أن يحل محل الإصلاح الإداري والهيكلي الحقيقي الذي يضمن استدامة الأداء، وترشيد الإنفاق، وزيادة الإنتاجية.

توصيات حكومة الظل للمصلحة العامة:
لا يزال الوقت متاحاً لتصحيح المسار. إن الخروج من هذا المأزق يتطلب وقفة جادة لإعادة ترتيب الأولويات، والبدء بوضع "الحصان" في مكانه الصحيح أمام "العربة". يجب إجراء دراسة متعمقة للواقع الحالي بمشاركة خبراء محايدين، والاستفادة من النماذج العالمية الناجحة مع تكييفها لتناسب الخصوصية السورية، واختيار الكفاءات المؤهلة لهذه المهمة الوطنية الدقيقة. إن مستقبل قطاع النفط السوري، بوصفه شريان الحياة للاقتصاد، يستحق بذل كل جهد ممكن للخروج من دائرة التخبط، وبناء مؤسسة قوية تقوم على أسس علمية وإدارية سليمة.

زمان الوصل
(11)    هل أعجبتك المقالة (11)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي