أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أطيعونا ما أطعنا اللهَ فيكم

من قال إن الاستشهاد بآية من القرآن الكريم أو بجملة من حديث شريف أو فكرة من خطبة لأحد الخلفاء الراشدين، هو إرهاب أو رجعية؟ هذا الادعاء لا يصدر إلا عن قراءة سطحية للدين، أو عن رغبة في نزع أي مرجعية قيمية تضبط المجال العام. الاستعارة من النصوص المؤسسة في ثقافتنا ليست عودة إلى الوراء، بل توظيف طبيعي لمنابع الوعي التي صاغت هوية السوريين عبر قرون. من يرى في ذلك مشكلة، يفتش عن ذريعة لتعكير صورة النصر السياسي والاجتماعي الذي صنعه السوريون بعد سقوط النظام.

القضية ليست في النص، بل في النوايا. النص القرآني والحديث الشريف حملا دائماً مضامين تتعلق بالعدل، والرقابة، ومحاسبة السلطة، وهي قيم لا يجرؤ حتى أكثر المدافعين عن الدولة الحديثة على إنكارها. استخدام هذه المضامين اليوم لا يعني فرض وصاية دينية على الحكم، بل استدعاء المخزون الأخلاقي المشترك الذي يجتمع عليه الناس، مهما اختلفت توجهاتهم.

حين قال الرئيس عبارة أبي بكر الصديق (مع جمع) "أطيعونا ما أطعنا اللهَ فيكم"، لم يكن ذلك مجاملة خطابية. العبارة في جوهرها إعلان واضح بأن الشرعية السياسية لا تُمنح للأبد، وأن من يتولى الحكم يخضع لرقابة المجتمع ومحاسبته وفق القانون. هذا النص التاريخي يؤسس لمعادلة حكم تقوم على المسؤولية لا على الاستبداد، وعلى الشفافية لا على الطاعة العمياء.

الاعتراض على هذه الإشارات الدينية ليس دفاعاً عن الحداثة، بل محاولة لشيطنة كل ما يمتلك جذوراً عميقة في الوعي السوري. بينما الحقيقة أبسط: السوريون انتصروا بثقافتهم وهويتهم وقيمهم، وليس مطلوباً منهم التخلي عنها حتى يرضى أصحاب الحساسية الانتقائية تجاه كل كلمة تُذكرهم بأن السلطة اليوم محكومة بعيون الناس، لا برغبات الحاكم.

لما بويع أبو بكر بالخلافة بعد بيعة السقيفة تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".

الحسين الشيشكلي - زمان الوصل
(11)    هل أعجبتك المقالة (10)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي