يحاول نظام بشار الأسد الاستفادة من الانتخابات الأمريكية لفتح ثغرة في الجدار المنيع الفاصل بين دمشق وواشنطن حيث وصلت العلاقات بين الطرفين إلى أسوأ أيامها منذ استقلال سوريا عن الحكم الفرنسي، ذلك أن نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة تشير إلى تقدم واضح لمرشح الرئاسة الديمقراطي جو بايدن ما يعني حاجة الرئيس ترامب إلى إنجاز يدفعه خطوات إلى الأمام في السباق الرئاسي قبل 15 يوما من انطلاقه، من هنا تأتي أهمية الموضوع بالنسبة للأسد ولترامب على حد سواء ونقصد موضوع المعتقلين الأميركيين في سجون النظام وعلى رأسهم الصحفي المستقل "أوستن تايس" الضابط السابق في البحرية الأميركية والذي اختفى في سوريا خلال العام 2012، وكذلك الطبيب الأميركي من أصول سورية "ماجد كم الماز" الذي اختفى في سوريا أيضا العام 2017، إضافة إلى 8 أميركيين آخرين من أصول سورية.
يعلم الأسد أهمية حصول ترامب على إنجاز هام كنجاحه في إطلاق سراح الرهائن الأميركيين وما سيحققه له هذا الانجاز في نظر الناخب الأميركي، ولذلك عمد إلى الدفع بسلسلة من المطالب الكبيرة والصعبة، منها إعلان واشنطن استعدادها لسحب قواتها من الأراضي السورية وتفكيك قاعدة التنف الأميركية إضافة إلى رفع جزئي (مبدئيا) للعقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن على النظام مؤخرا فيما بات يعرف باسم قانون قيصر.
هذه المطالب دفع بها ممثل النظام ورئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك خلال لقائه مع الوفد الأميركي الذي زار دمشق خلال شهر آب (أغسطس) الماضي، والذي ضم مبعوث ترامب الخاص لشؤون المخطوفين "روجر كارستينس" إضافة إلى مساعد الرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب "كاش باتل".
وتفيد المعلومات أن المسؤولين الأميركيين حملا إلى الأسد رسالة خاصة، وهذا يعد تطورا خطيرا في العلاقات بين الطرفين.
طالب مملوك خلال اللقاء بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا وإظهار ما يؤكد استعداد واشنطن لتنفيذ هذا الإعلان على الأرض، قبل القيام بأي خطوة من جانب النظام. وهي ليست المرة الأولى التي يتجه فيها الرئيس الأميركي جهة فتح حوار مع الأسد، فقد وجه سابقا بضرورة النقاش مع النظام رغم معارضة جون بولتون ومايك بومبيو، ولكن الأسد رفض الحوار مع ترامب إلا بشروط، منها وعلى رأسها انسحاب القوات الأميركية من كل الأراضي السورية ثم قرر وقف هذا المسار في محاولة من بشار الأسد لاستغلال هذا الملف في الانتخابات الأميركية لإدراكه أهمية ذلك بالنسبة لترامب وبالسبة للأسد ذاته، الذي فكر في استثمار الملفف إلى الحد الأقصى مستفيدا من النتائج التي ستفرزها استطلاعات الرأي الأميركية فيما يخص الانتخابات وحظوظ المرشحين. حينها استشاط ترامب غضبا ووصف الأسد بأنه (حيوان) ووضع خطة لاغتياله، لكن معارضة موظفين كبار في البيت الأبيض حالت دون تنفيذ الخطة.
واليوم يعود ترامب ليقرع أبواب دمشق محاولا الحصول على دعم انتخابي عبر ملف الرهائن، واللعب على ملفات مشابهة له في الماضي جذور، إذ سبق لحافظ الأسد أن لعب على ذات الموضوع حين أطلق سراح الطيار الأميركي الأسير لدى سوريا والذي سقطت طائرته فوق الأراضي اللبنانية خلال غارة أميركية على "القوات السورية"، يومها اتصل الرئيس الأميركي رونالد ريغان بحافظ، دون أن ننسى ملف الرهائن الإيرانيين المتحجزين في السفارة الأميركية في طهران، حيث لعب لعب دورا سياسيا واقتصاديا كبيرا وحتى عسكريا بين واشنطن وطهران التي كانت تحتاج للسلاح الأميركي في حربها مع العراق أيام صدام حسين .
تشير استطلاعات الرأي الأميركية حالي إلى تقدم ملحوظ للمرشح الديمقراطي بايدن على ترامب يتراوح ما بين 1.7 نقطة مئوية في فلوريدا إلى 7.2 في ميتشغان، وتشير الاستطلاعات إلى ثبات النتائج هذه المرة، ذلك أن بايدن يتقدم بثلاث نقاط على ترامب منذ أكثر من ثلاثة أشهر، من هنا يأتي اهتمام ترامب بملف الرهائن في سوريا لاستقطاب الناخبين المترددين، والذين قد يقلبون النتائج في اللحظات الأخيرة، ومن هنا يأتي تعنت رأس النظام في دمشق لمعرفته بحاجة عدوه ترامب لخطوة تدفعه إلى الأمام، ومعرفة الأسد بأن مفتاح هذه الخطوة بيده.
*فؤاد حميرة - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية