كل تنمّر يقابله تهرّر، هو قانون فيزيائي مثل الفعل ورد الفعل، بمصطلحاتنا المعاصرة التنمر عكسه التطبيع. هما من نفس الفصيلة، النمر حيوان غابة، الهرة حيوان منزلي.
لم أكن أعلم أنَّ سيرة حياتي، وسيرة حياة شعبي هي قصة تنمر طويلة، التنمّر "كتاب حياتي يا عين"، ولم أكن أعلم أن أشكال الظلم والإيذاء اللفظي والبدني والمعيشي والعاطفي التي عانيت وعانينا منها اسمه المدني الحضاري، التنمر، ولأننا قوم محبوسون عن العمل، ومحرومون من الحرية، كنا نبرع في الإيذاء، أدناه اللفظي، وأقصاه الجسدي، الذي كانت نظم التنمر تصنعه في المعتقلات، وفي العسكرية والشارع، فتحولنا بتنمره إلى هررة منزلية وديعة، أحياناً إلى فئران مذعورة، وأحياناً إلى نمور على من هم أضعف منا، فنتنمّر على أبنائنا وزوجاتنا، وعلى أنفسنا، فنقهرها ونذلّها.
وتحوّلَ المجتمع بتنمر الرئيس إلى غابة مقنّعة بقوانين ودساتير رائعة للعرض فقط، مثل موديلات بضاعة المحلات الفاخرة.
وعلمت أنَّ التنمر آفة كونية، وبشرية، وأنَّ أول قصة قتل كانت قصة تنمّر قابيل على هابيل، وأنه لا مكان ينجو من وباء التنمر، وأصله الكِبَر، فهو وباء يصعب القضاء عليه، وإن كان ممكناً التخفيف منه وصباغته بأصبغة ملونة، فهو يوجد في المدرسة والعمل والمعبد، ولم ينج منه المسجد الحرام.
وأشهر قصة تنمر معاصرة، هي لزكريا تامر، وهي قصة تنمّر، وتنمّر معكوس، فإنسان القصة يتنمر، ونمرها يتهرر، أو هي قصة نزع النمرية من النمر، وتنمر الإنسان، والقصة التي تدرّسها الأمم المتحدة لفهم معنى التنمر، هي قصة طفل اسمه جيسون، يتنمر عليه طفل ويغتصب طعامه، فيدافع الضحية عن مغتصب طعامه، لقد تهرر جيسون، فالأصل هو الغذاء. ومن الرغيف يبداً الرئيس النمر، بتطبيع الإنسان، والمخبز هو مكان الترويض.
كنا نعاني من تنمر المعلمين، ومن تنمر الآباء، في الشارع، من تنمر الشرطة التي تعاني من تنمر المخابرات، ومن تنمر الأمهات اللاتي كن يعانين من تنمر الآباء، فيصرفن غضبهن إلى التنمر على أولادهن. أحلي كلمة تلفظها الأم الحانية التي حرمت من عاطفتها: مقصوف الرقبة!
وسنعلم أن السيد الرئيس ، كان متنمراً، تسلّح بأنياب الدولة، ثم إن جنده العلنيون وجنده السرّيون تنمروا أسوة به، وكان يكفي أن ينطق واحد منهم بلهجة نمور السلطة، فنتقلص وننكمش، وإن الدستور الذي يزعم أن السيادة للشعب، لم يكن يُذكَر إلا عند البيعة الجديدة، فنخضع لدورة تنمر ودورة تهرر، فالتنمر والتهرر متلازمتان، تخفف جرعة التنمير بالموسيقى الوطنية، ولهذا نكره أناشيدنا الوطنية الخالية من الوطنية.
وإن موجة النزوح الكبرى التي لم تشهدها سوريا في تاريخها، هي هروب من غابة المتنمرين.
وإن رحلة النمر في قصة زكريا تامر استغرقت عشرة أيام، وهي مدة رمزية، بينما استغرق تنمر الأسد أطول من ذلك.
الرقم عشرة رقم كامل، وقد يكون الفرق بينهما هو الفرق بين مدة تطبيع الفرد وتطبيع المجتمع.
وتتنمر علينا إسرائيل يومياً، فتقصفنا، فيموء النظام ويتفأر.
وإن قصة قتل جورج فلويد، هي قصة تنمر عمرها خمسة قرون.
أفاطِمُ مَهلاً بَعضَ هذا التَنمر
وإِن كُنتِ قَد أزمَعتِ صَرمي فاجمِلي.
والتدلل تنمر أبيض، يفقهه العارفون بشؤون الحب والصرم والقطع، وفي الصور الإباحية ترتدي العارضات جلد النمر.
وأقترح أن يبتدع علماء الاجتماع مقياساً اسمه معدل التنمر في المجتمعات، وقرأت لأحمد ديدات أن الإسلام يحارب العنصرية يومياً خمس مرات، لأن فيروسه شديد الذيوع والشيوع، لكن الإنسان يتكبّر، ويتنمّر، ويأبى إلا أن يرتكس إلى الحيوانية، وهناك أيضا ألوان أخرى من التحيون مثل: التثعلب، والتمسح، والتسلحف، للعيش في هذه الغابة السعيدة، وهو ما يوافق جملة: "كنا عايشين".
البطاقة الذكية في مصر وسوريا بطاقات تنمّر الدولة وتطبيع الرعية، ويزعم باحثون أن الكورونا فيروس اخترعه متنمرون لإخضاع الإنسان وزرع شريحة ذكية تحت جلده.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية