كثيراً ما نرى ضيفاً على التلفزيون، قد يكون مطرباً، هو غالباً مطرب، التلفزيون يحبُّ المطربين، التلفزيون صندوق الدنيا، والمطرب هو عنترة هذا الزمان، وصوته سيفه، خذ مثلاً المطرب محمد رمضان من مصر، "نمبر ون"، المطرب علي الديك من سوريا، المطرب يجلو الحزن، ويُنسي الهزيمة، ويطرب المرأة والرجل والطفل، ومناسبتنا هي: "اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة"، والذي يوافق اليوم على حساب الأمم المتحدة الشمسي الغريغوري، وهو يوم رفع الوعي من غير مضخة ولا "كرينات" بمشكلات تتعرض لها المرأة في العالم مثل الاغتصاب "المنزلي"، والعنف "المنزلي"، والحب المنزلي وغيره، واللون المنتخب لليوم هو البرتقالي، لون ثياب المساجين في أمريكا.
يمثّل اللون البرتقالي مستقبلاً مشرقاً وعالماً خالياً من العنف الموجّه ضد النساء. ويوم الفالنتين لونه أحمر، وهما لونان شديدان، حارّان، الحاصل أنَّ مطرباً سُئل عن المرأة، فسقطت على رأسه جوزة الهند، وقال مطروباً طرب نيوتن عندما اكتشف قانون الجاذبية، ومن غير آلة حاسبة، ولا عدّاد روسي، ولا خوارزمية، ولا مصفوفات:
إنّ المرأة نصف المجتمع!
فسرّتِ المذيعة، وطُربت طرباً، ورأينا ابتسامة تشرق في وجهها، مثل سيف عنترة خارجاً من غمده، وقد صارت نصف المجتمع بقول صاحبنا نيوتن المطرب من غير طبل ومن غير ألحان.
اسم المرأة فيه ألحان ولا يحتاج إلى آلات موسيقية، هي نصف المجتمع اللطيف، وباعتراف وإقرار من نصفه الخشن المتهم بالقسوة على المرأة.
المذيعة تعرف هذا الجواب الذي قرأتْه في الكتب المدرسية، وسمعتْه كثيراً في الصحافة المسموعة والمرئية والمكتوبة، وهي من أشهر مقولات الإعلام السوري، وأشهر من: الوطن حضن، والرئيس هو صمّام الأمان، الدنيا بخير...
يفصل المرأة عن المرآة حرف أو بعض حرف، فهي مرآة، وبحذف الحرفين الأخيرين تصير مرّة، وهي تزيد عن المرء بتاء التأنيث. وهي أصل المروءة، وبها تظهر.
لكن المرأة ليست نصف المجتمع في بلاد الهند والسند، وما وراء نهر سيحون وجيحون، والصين، فهناك يئدون البنات عدداً ويدفنونهن بدداً، بسبب قانون الولد الوحيد عندهم، وهم يحبّون الذكور في النهار والمرأة في الليل، مثلنا تماماً، وليست نصف المجتمع في بلادنا أيضاً، وإن كانت كذلك إحصاء وعدداً.
قرأت أمس أن الصين تدرس قانوناً يبيح إنجاب الأولاد، وكانت قد حدّدت وألزمت كل عائلة بعدم إنجاب أكثر من ولد واحد في سنة 1978، ليس كي لا يخدم العسكرية، فليس عندهم هذا القانون، نحن عندنا هذا القانون، لكننا جميعاً نخدم في العسكرية، حياتنا عسكرية كلها.
القاعدة الخفيّة هي: الشعب في خدمة العسكر. ليس كل العسكر طبعا، فهي مقولة رمزية.
المرأة في مجتمعاتنا العربية ليست نصف المجتمع، إنها أقل من خمس المجتمع، فهي لا تصوِّت في معظم البلاد العربية، ولا تَمنح الجنسية لأولادها، الجنسية ليست حليباً ولا خبزاً، الجنسية ليست جواز سفر كما قال الرئيس السوري.
المرأة والرجل، وابنهما وأبوهما وأمهما والجيران مظلومون، وصوت الرجل لا يعادل ولولة المرأة في مناحة، صوته مبحوح، صوته لا يجدي، صوته مقلوب لا يفهم حتى في برامج الصم والبكم، يقول لا في صندوق الانتخاب، فتحسب نعم، يقول نعم، فتحسب ألف نعم، هو أيضاً ليس نصف المجتمع.
سرقت منا السعادة، ومُنحنا أياماً لذكرى المفقودات، فيوم الرجل، هو ذكرى الرجولة المهدورة، ويوم المرأة يوم للسلام ووضع عدة الحرب، لكن المرأة ليست مهيضة الجناح دائماً، فقد تحمل السلاح، وقد تكون أقوى أحياناً من زوجها بالعضلات أو بقوة القانون، وهي قوية، وقوتها ناعمة، فجمالها أشد من وقع الحسام المهند، وهي أشدُّ من الرجل قوة باللون الأحمر والبرتقالي.
المرأة التي تفرّط في التجمل، تشنُّ عنفاً رمزياً على الرجل المسكين، في مجتمع لا يستطيع فيه الرجل الذي بلغ أربعين سنة الباءة، إنه لا يستطيع سوى المواء مثل الهررة في كل شهور السنة!
والعنف أنواع، وقد تشظّى وفرّخ، حتى إنّ إرسال صورة ايموجي لوجه شبح صارت تنمّراً، حتى إنّ الرغيف أمسى يحتاج إلى عيد وطني أو يوم تذكاري في نصف مجتمعات العالم المفقّر.
والغاية التي تحققت هي: أن "الضرب" تحتكره الدولة، و"تقسيم" المجتمع قد تحقق، ونحن نعيش حرباً أهلية، طوائف، وأجناساً وألواناً، ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، ونحتاج إلى علم أبيض للهدنة بين المتحاربين في المجتمع الذي فرط عقده وانتثر.
هناك خطأ في الحساب والجمع والطرح:
نحن بلاد المواطن الأول الوحيد، الذي يعيش في جزيرة معزولة تحيط بها أسماك القرش اسمها القصر الجمهوري، لم يكن عندنا سوى عيدين الفطر والأضحى، وكانت حياتنا سعيدة، أما اليوم، فنحن نخوض حرباً أهلية، صامتة أو جهرية، وحرباً أسرية بين الرجل والمرأة، والأب والأبن، بين الجيران...
المخابرات عددهم ليس كبيرا، هم عدداً عشرُ المجتمع، لكنهم مسلّحون، بالسلاح يصيرون ثلاثة أرباع المجتمع، الرئيس هو كل المجتمع.
*أحمد عمر - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية