مضى يوم الرجل كيوم من أيام الله...
الأيام يومان، ولو شئتُ أن أعظَ لقلت: يوم لك ويوم عليك، وهما كذلك، فهما: يوم أبيض ويوم أسود.
كان للنعمان يومان، يوم بؤس ويوم نعيم، ولهما قصة تطول، وغرضنا أن نذكّر بيوم الرجل، فقد كان يوم خدعة، فلا دباديب حمراء اشترينا ولا ورود بعنا، وعدنا بخفي حنين وبوطي العسكري السوري ورائحتهما أسوأ من رائحة خفي حنين، وليس الذكر كالأنثى، لعلكم تعقلون، فالرجل لا يُخدع بدمية ولا بوردة، ويوم المرأة يقول لنا بالتأويل: إن المرأة بمثابة الطفل، يمكن إلهاؤها بلعبة، ويومها أحمر، وكذلك هي أيامنا التي نحتفل بها، حمراء ليس بالورود وإنما بالدماء.
نأخذ الوطن ونعطيكم يوما.
وسبب مرور يوم الرجل مرور الكرام، على الحواجز، من غير اعتقال أو هوية أو إظهار بطاقة ذكية، أنَّ الرجل هو الذي يعيّن الأعياد المعاصرة، وينظم الاحتفالات، فإن شاء رقص واحتفل، وإن شاء انكسر وانفتل، ولم يبع أحد شيئاً في هذا اليوم القمطرير، فليس لعيد الرجل أمتعة وبضائع، وكذلك لعيد الجلاء، وأغلب الظنِّ أنَّ الأعياد المعاصرة هي تعويضات نهاية خدمة، مثل عيد الأم المسكينة التي أنجبت وتفرّق أبناؤها، فمنحوها يوماً، أو بعض يوم هو يوم ذكرى، وليس يوم عيد، وبينهما فرق، ورعد وبرق، وبعضها إعلان بداية خدمة، فلا تغرنّكم الأعياد، فكثير منها ذرٌّ في العيون الرماد. وأيام المرأة أكثر من أيام الرجل لأنها أضحى منه وأبذل.
أَقـفَـرَ مِـن أَهــــلِـهِ مَلْـحـوبُ
فـالـقُــــطـبـيَّــات فـالـذَّنـــوبُ.
و قصته مذكورة في من كتاب "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب" لعبد القادر بن عمر البغدادي، ووردت في كثير من المصادر، والقصة من ملاحم العرب التي جرت فيها الأمثال: و كان أوَّل مَن أشرف على المنذر في يوم بؤسِه، فقال:
هلاَّ كان الذَّبح لغيرِك يا عبيد!
فقال: أتتْك بحائنٍ رِجْلاه. (والحائن الهالك الذي حان حينه- فأرْسلها مثلاً).
فقال له المنذر: أو أجلٌ بلَغ إِناه (أي وقته).
فقال له المنذر: أنشِدْني، فقد كان شِعْرك يُعْجبني (العجيب أن هذا القول لم يجرِ مثلاً)!
فقال عَبيد: حال الجَريض دون القريض. (أرسلها مثلاً، والمعنى أن الغصة تحول دون نشيد الشعر) وبلغ الحِزام الطِّبْيين، (فأرْسلها مثلاً، والمعنى أن الأمر تفاقم وبلغ السيل الزُّبى، والطِّـبْي: حلَمة الضَّرع).
فقال المنذر: أنشدني قولك: أَقْفَرَ مِنْ أَهْلِهِ مَلْحُوبُ (مطلع معلقته).
فبدل عَبيد مطلعها وقال:
أقفرَ من أهله عبيدُ
فَلَيْسَ يُبْدِي وَلا يُعِيدُ
أمر المنذر بِحاجته من الخمر، حتى إذا أخذتْ منه، وطابت نفسه، دعا به المنذر، ليقتُله، فلمَّا مثَل بين يديْه أنشأ يقول:
وَخَيَّرَنِي ذُو البُؤْسِ فِي يَوْمِ بُؤْسِهِ
خِصَالاً أَرَى فِي كُلِّهَا المَوْتَ قَدْ بَرَقْ
فأمر به المنذر، ففُصِد (شُقّ وريده لاستخراج دمه)، فلمَّا مات غُرِّي بدمه الغريان، أي صبغ بدمه النصب التذكاري. وقد أطلنا وشردنا عن اليوم العالمي للرجل المسكين، الذي كان يوم بؤس ونكس، ولله الحمد وبذكره الأنس.
*أحمد عمر - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية