حكاية رامي مخلوف ليست سوالف أشخاص، ولا هي قضية أشخاص، إنها جزء من مأساة وطن، بل هي ظاهرة سورية سلطوية تعني (مجموعة أفعال وردود أفعال وتبديات لا تنتهي بنهاية شخص بل بتغيير المسبب)، مع أنه في المجتمع والسياسة والاقتصاد بعض الظواهر يمثلها أشخاص طبعا، وهي لا تنتهي كما قلنا بموتهم أو سجنهم لأنها ظاهرة ! ولا تنتهي الظاهرة السلبية أو الجرمية إلا بانتهاء مسبباتها في بنية السلطة، فهل نحن أمام استحقاق من هذا النوع؟
إن عدم احترام القانون أو اعتبار (كلمة) أو (إرادة) الفرد الحاكم هي القانون، تلد كل الظواهر السلبية في جسد الدولة والمجتمع، وحتى لو ولدت ظواهر إيجابية ستكون محكومة بالموت أو التخريب.
لنسمي ظاهرة الحدث اليوم (رامومخلوفية) لا مشكلة، إلا إن القصة وجذر المشكلة يكمن في النظام السياسي، الذي غالبا لا يطبق هو نفسه القانون.
وعندما صدف وفعل، أي طبق القانون، حدث أن أفرزت تجليات تطبيق القانون القليلة، في نفس وقت ولادة الظاهرة (الرامومخلوفية)، ظاهرة محترمة للغاية في التسعينيات، وهي الظاهرة (الرياض سيفية) رياض سيف، وهو نفس الرجل الذي أدرك بحس القائد الإنتاجي الفعلي (كان يرفع اسم الصناعة السورية عالياً) أدرك حجم خطورة تلك الظاهرة المميتة، وحاربها كنائب في البرلمان، وانتهى في سجن عدرا بسبب نضاله هذا، ثم صار معارضا يريد إسقاط النظام كله، لأن النظام فنان في تخليق الأعداء، خصوصاً إذا كانوا محترمين.
في تلك الأيام بالذات كنا نمني النفس ألا تنتصر ظاهرة رامي، ولكنها انتصرت لكي تدمي البلد بعد حين، حيث اختار النظام عندما تبدى أمامه مفترق الطرق، فرفض المضي إلى ما يشبه التجربة الصينية التي كانت ممكنة للغاية بأمثال رياض سيف، ليس فقط كصناعي بل كمدير لاقتصاد البلد، ولم لا رئيساً للوزراء؟ لكن الذي حدث أنه ذهب نحو الخراب، بتعيين أناس لا يستطيعون رفع رؤوسهم في وجه ضابط أمن، لأن ملفاتهم ملأى بالارتكاب، ومن يرتكب مرة يسهل عليه التالية، وأخواتها.
وكل ذلك من أجل تسهيل الظاهرة (الرامومخلوفية) وشبيهاتها.
عندما نستعرض قوانين الحياة السياسية -يا سادتي- لا بد أن نصل إلى قانون دائم مطلق، وهو أن الدول هي دول القانون..وغير ذلك فهي دول مشوهة.
ففي حقيقة الأمر إن ما جرى ويجري وتحدث فيه الكثيرون، بعد ظهور (رامي مخلوف) الفيسبوكي مرتين، ما هو إلا هجوم استباقي من قبله، مدافعاً عن 180 مليون دولار مطلوبة منه كضريبة، ومعلناً استعداده للدفع عبر الجدولة، فقط لكي يتم تسكير الحساب بين الشعب وكل الظاهرة (الرامومخلوفية)، وهي تنام ببساطة على مليارات الدولارات الموجودة في الخارج بأسماء متعددة، والآن احتاجها النظام.
هذا في الجانب المالي للقضية، أما سياسياً فالحاصل يعني أن الدولة العميقة في سورية تتعرض لهزة كبرى، ولانقسام سيعني بالضرورة تلاشيها، فالدول العميقة، تقوم على مبدأ الثقة المطلقة ما بين أفرادها، وفي حال انتهاء الثقة، تنتهي الدولة نفسها.
و من الصعب تشكيل دولة عميقة ثانية في ظل الظروف الحالية لها نفس القوة و نفس التشبيك المعقد ، و هذا يعني أن السلطة في سورية سوف تعتمد من الآن فصاعداً على، آليات الدولة الظاهرية لحل المشاكل الاقتصادية المستعصية، أي على مجلس الوزراء وعلى كل أولئك الذين يظهرون على الشاشات أن يحلوا مسائل رياضية بمئات المجاهيل، وعلينا أن نتوقع الكثير، إلا إذا استطاعت السلطة أن تحصل فعلياً، ذاك المال الموجود خارج البلاد، أو على الأقل جزءاً منه.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية