سئل حكيم مرة عمن يرهنون أقلامهم للمستبد، فقال: هم مثل كلب الصيد !
كلب الصيد يعيش عند صاحبه، فيأكل بإذن وينبح بإذن وعند الذهاب للصيد، يعرف مكان وجود الطريدة المصابة من رائحة الدم، فلا تمنعه النباتات الطويلة ولا مياه البحيرات، فيركض يركض وبوصلته رائحة الدم، حتى يجد الطريدة ويمسكها بفمه، ويعود بها للصياد الذي يربت على رأسه ويمنحه عند الشواء بعضاً منها !..
لكن كلب الصيد، عندما يكبر بالعمر ويصبح (أكل ومرعى وقلة صنعة) يقوم الصياد بإطلاق النار عليه ليتخلص منه !! و عندما يخرج دمه يظن بأنها طريدة و يلعق دم حاله.
أسوق هذه الفكرة والأقصوصة بعدما سمعت واحدة جديدة من انحرافات (العلمنجي) نبيل فياض، وهو يقول: هناك سوريتان واحدة إدلب ومن معها والأخرى سورية الحضارية ويضيف متسائلاً، كيف يمكن لهاتين السوريتين العيش سوياً؟
إن الفرق بين البحث العلمي والسياسي و(البحش) ، يشبه تماماً تلك الحالة الحمقاء التي يمارسها البعض لفقدانه أدوات الاتزان والعقل، فلا يكفيه عقله إن أراد صحناً (طبقاً) من بين عشرة صحون مصفوفة فوق بعضها البعض فيأخذ الصحن الأعلى من فوق ! بل يمد يده إلى الصحن الأسفل فيسحبه لتقع كل الصحون وتتكسر .. هذا هو الفرق بين البحث و(البحش) !
فالباحش (نبيل فياض)، يقوم منذ سنين، وعبر مؤلفاته ومقابلاته الإعلامية بمد اليد إلى مشاكل وقضايا ذات أهمية كبيرة في تاريخنا وهي بأغلبها إشكالية، وتحتاج إلى كثير عناية أثناء العلاج، فلا يقبل في عمليات الجراحة إلا التطهير المطلق، ولا يقبل فيها أيضاً أن يجري الجراح جراحة لأحد من أقرباء الفرع الأول (أب و أم و أولاد ... الخ)، وأسوق مثال الجراح هنا بحرفيته لكي يعلم الجميع أن نبيل نبذ من أقرب المقربين وأنه (ذاتي) وأن بيئته الأولى بيئة إسلامية محافظة (قرية الناصرية) في ريف دمشق، وأنه طالب لوذ وحماية، نشأت مشكلته ليس لأنه مد اليد إلى قضية ممنوعة بل لأنه (فقيع) أي يتناول المسائل مثل ذاك الذي يأخذ الصحن السفلي فيكسر كل الصحون.
وفي حقيقة الأمر أن ما يفعله مقصود لأنه يستلذ بهذه الضجة التي يخلقها من وقت لآخر، وهذا الأمر لست أنا من يستطيع الإفتاء فيه وشرحه، ولقد حدد علم الطب لهذا اختصاصاً دقيقاً.
نعم إن في بلادنا مجموعة أنماط عيش وليس نمط عيش واحد، وهذا الأمر معروف !! و أغلب مثقفي البلد مشغول بشكل يومي في التعاطي مع قضية مدنية وعلمانية الدولة المرجوة والمنشودة، تأسيساً على هذا الأمر ومنعاً (لكسر الصحون)، إلا أن القول بأنها سوريتان وليست سورية واحدة، فصاحب هذا القول، إمام جذامي أو (عميل فكري) !
إذا انتقل معي عقل القارئ الكريم إلى مكان قد يبدو بعيداً للوهلة الأولى -ولكنه ليس كذلك فعلياً- وسأل معي نفسه: كم هي عدد الجهات التي بدأت تقول في نفسها ليت تهديد داعش يبقى! أو ليتنا نستعيد داعش هنا وهناك.
فهل تستطيع أيها القارئ أن تحزر من هي هذه الجهات عراقياً وسورياً ولبنانياً وعالمياً؟
وهل تحزر لماذا يصرح (فياض) الآن هذا التصريح !
في هذه اللحظة بالذات كل الطبقة السياسية في المنطقة وفي بعض دول العالم ترى في داعش عدو الضرورة المريح وبأن موته جاء بالعدو الغير مريح وهو الجماهير المتعبة التي تريد حصتها من الهواء النظيف والحرية والكرامة !
فطرابلس التي كان بعضنا يقول عن (تبانتها) مفرخة دعشنة، ظهرت بأروع حال وبأرقى كينونة ومدت التبانة يدها لجبل محسن ولا طائفية ولا هم يحزنون وإن درعا وإدلب وحماة وحلب والدير والشام وكل سورية كذلك – يا لا نبيل – فهؤلاء أهلنا وإخوتنا وكثير منهم قد انتبه إلى الطريق وبدأ يعرفها ويعرف إلى أين المسير لبناء وطن العدل والحرية وسورية ليست سوريتين ولا ثلاثة يا صغير !! مهما ربتوا على كتفك...
فمن أوصاك الآن أن تتحدث عن وطن لن يستطيع أهله العيش معاً والقبول والتعايش؟ أم أنك الحريص والحريص لا يوصى ؟
نعم عندنا تطرف ولكن الشعب قد تعلم الدرس وها هو العراقي يرفع صوته عالياً ويقول:
لاسني ولا شيعي قول أنا عراقي
من علمي وتشريعي صار العالم راقي
فأي زبدة أطيب من هذه الزبدة وأي مدينة أجمل من طرابلس التي أزاحت عن كاهلها ذاك الصراع الكريه بين السنة والعلويين وخرجت بصوت وحلة واحدة لأجل لبنان!
وإني لأقسم برب لا إله إلا هو أن أهل إدلب الخضراء لو سمعوا صوت أخ حقيقي يكلمهم كأخ يعرف ألمهم ووجعهم ويصدق معهم ولا يرميهم بالبراميل !
لفتحوا بيوتهم وأطعموا عيونهم!
يا فياض: سئل عاق أتحب أن يموت أبوك فترثه ! قال لا بل أحب أن يقتله أحدهم فآخذ ديته ثم أرثه.
*أستاذ جامعي سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية