أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قــراءة فـي بيــــــــان الفــتنــــة .... بلال حسن التل

قلت في مقالي المنشور في العدد الماضي '' إن أول ما ينصر به الإسلام أن نتصدى للتكفيريين وأن نحبط دعوتهم للفتن المذهبية''.

وقد أجلت التفصيل في هذه النقطة إلى مقال هذا الأسبوع، الذي سأحاول أن أقرأ من خلاله البيان الذي أصدره 22 من كبار علماء السعودية الذين خصصوا بيانهم هذا لصب الزيت على نار الفتنة المذهبية، التي ينفخ في أوارها جورج بوش ومن شايعه من غلاة الغربيين.

ومن دار في فلكهم من المحسوبين على أمة الإسلام.

فلم يعد خافياً على أحد أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن لم يفوت فرصة خلال سنوات حكمه الثمانية التي أوشكت على الانتهاء، إلا وتحدث فيها عن الخلاف بين السنة والشيعة، متخذاً موقع الدفاع عن أهل السنة في مواجهة الخطر الشيعي، الذي تمثله من وجهة نظر بوش كل من إيران وحزب الله متناسياً أن بعض الذين يحالفهم في العراق هم من أتباع المذهب الشيعي تماماً مثلما أن بعض حلفائه في لبنان وغير لبنان هم من أهل السنة، مما يكذب ادعاءات بوش وحلفائه وعملائه حول الخطر الشيعي، ومما يؤكد أن الانقسام في المنطقة ليس مذهبياً، بل هو انقسام سياسي بين خطين: أولهما المقاومة، وثانيهما: المشروع الأمريكي الذي يريد لهذه الأمة أن تستسلم بشكل نهائي، فلا يعود فيها مقاوم واحد للهيمنة الأمريكية الصهيونية، ومما يؤكد ذلك ان التباكي الأمريكي على أهل السنة لم يشفع لهم من أن تحصدهم قنابل وصواريخ وطائرات أمريكا في فلسطين وأفغانستان. وهي نفس القنابل والصواريخ والطائرات التي لم تميز بين السني و الشيعي في لبنان والعراق.

خلاصة القول أن الرئيس الأمريكي في حديثه المستمر عن الخلاف بين السنة والشيعة لا يقصد نصرة أهل السنة، ولكنه يسعى إلى استحضار خلافات تاريخية من شأنها إحداث المزيد من التمزيق والفرقة في الصف الإسلامي وإضعافه لحساب المخطط الأمريكي لتقوية إسرائيل وجعلها سيدة المنطقة، كما أن من شأن الفتنة المذهبية حسب المخططين الأمريكيين أن تقلل من حجم الالتفاف الإسلامي حول حزب الله باعتباره رأس الحربة في مشروع الأمة لمقاومة الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي لأرض الأمة سواء في فلسطين أو لبنان أو العراق.

فكل الدراسات تؤكد أن المسلمين على اختلاف طوائفهم وخاصة الأغلبية السنية تلتف حول الحزب ومقاومته، متناسين أي خلاف مذهبي جاء الأمريكان ليذكروا به وليتذكر معهم وبصورة مفاجئة بعض حلفائهم من المحسوبين على الأمة أن إيران دولة شيعية لها أطماع في المنطقة العربية، وكأن إيران زمن الشاه لم تكن شيعية وكأن الشاه لم يكن شرطي الخليج، أم أن سيره في ركب الأمريكان يغفر له ذلك كله؟، لذلك فليس من المنطق أن نقرأ بيان الـ22 عالما سعودياً بغير هذا المنظار ولو من حيث التوقيت على أقل تقدير، علماً بأن توقيت هذا البيان يثير العديد من الأسئلة: وأولها أن البيان صدر قبل يومين اثنين من بدء المؤتمر الذي دعا إليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين المسلمين، فقد صدر بيان الـ22 صباح الأحد الأول من حزيران، في حين بدأ المؤتمر أعماله صباح الاربعاء الرابع من حزيران، مما يلقي بظلال ثقيلة من الشك حول مصداقية الدعوة إلى الحوار بين المسلمين، ذلك أن التقارير والأخبار تقول أنه تزامناً مع انعقاد المؤتمر، تم إغلاق العديد من المساجد الشيعية في السعودية واعتقال بعض علماء الشيعة السعوديين، بالإضافة إلى صدور بيان الـ22 عالماً سعودياً والذي حكم بتكفير ثاني أكبر مذاهب الأمة ومكونات الجسم الإسلامي الواحد أعني الشيعة وبالتحديد الجعفرية؛ فكيف يستقيم أن تدعو المملكة للحوار بين المسلمين في حين يكفر علماؤها مكوناً أساسياً من مكونات الأمة، خاصة وأن مؤسس المذهب الجعفري الإمام جعفر الصادق عليه السلام، هو المعلم الذي تلقى منه عدد من أئمة المذاهب السنية أمثال الإمام مالك بن أنس والإمام أبو حنيفة النعمان، فهل ينسحب تكفير المعلم على من تلقى منه وصلى خلفه ؟، وهل يصبح أتباع المذهبين المالكي والحنفي كفرة، قياساً على تكفير أتباع المذهب الجعفري؟، وهو ما ذهب إليه بعض مفتي الوهابية الذين كفروا في بداية انطلاقتهم الكثير من المسلمين وسفكوا دماءهم داخل البيت الحرام في مكة وفي المدينة المنورة، بل لقد استخدم علماء الوهابية في عقودها الأولى ذريعة التكفير للفتك بالمسلمين واستباحة أموالهم، كما ذكر الجبرتي في كتابه ''تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار''، حيث يقول: '' حاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذوا البلدة «الوهابيون». واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال وهذا رأيهم مع من يحاربهم''، ويذكر ابن غنام في كتابه عن تاريخ نجد ''أنه قتل خلال هذه المجزرة الشيخ عبدالله الزواوي مفتي الشافعية بمكة المكرمة والشيخ عبدالله أبو الخير قاضي مكة. والشيخ جعفر الشيبي وغيرهم''، ويضيف ''أنهم ذبحوا بعد أن أمنوهم عند أبواب بيوتهم''. ولا نريد أن نفصل في ما فعلته جيوش الوهابين في عمان والبحرين والعراق والشام، بما في ذلك الأردن تحت ذريعة التكفير التي تشهر اليوم بوجه الشيعة، وفي طليعتهم حزب الله، كما ورد في بيان الـ22 الذين ضربوا عرض الحائط بكل فتاوى علماء الأمة الثقات بجواز التعبد بالمذهب الزيدي والجعفري الشيعيين، ومن هذه الفتاوى فتوى شيخ الأزهر الشيخ شلتوت، وكما أكد ذلك في السنوات الأخيرة العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي قال ان الشيعة مكون أساسي من مكونات الأمة الإسلامية، بالإضافة إلى آراء آلاف من علماء السنة الذين يؤكدون أن الشيعة مذهب من مذاهب الإسلام المعتمدة. وهذه الفتوى من المراجع السنية المعتمدة تؤكد أن آراء المكفريين لا تمثل رأي أهل السنة تجاه إخوانهم من أتباع المذهب الجعفري والزيدي والأباضي فلماذا يصر بعض التكفيريين على إشهار فزاعة التكفير في وجه الأمة؟، ولماذا في هذا التوقيت؟، ولماذا حزب الله؟، وهل نستطيع القول بأن بيان الـ22 هو حلقة من سلسلة العداء للمقاومة ممثلة في حزب الله، فلم يغب عن البال حتى الآن وصف عملية حزب الله ضد الجنود الإسرائيليين، ومن ثم تصدي حزب الله لعدوان تموز عام 2006م بأنها مغامرة غير محسوبة. كما أنه لا يفوت المراقب للأزمة اللبنانية أن يكتشف بيسر وسهولة خروج بعض العرب من إطار الوسيط المحايد إلى خانة الطرف المباشر بانحيازه إلى فريق 14 آذار في مواجهة المعارضة اللبنانية التي يشكل حزب الله عمودها الفقري، كما لم يعد خافياً التحريض المستمر على حزب الله ومقاومته على لسان الكثير من المسؤولين العرب الذين يتبنون السلام كخيار إستراتيجي لعبت السعودية دوراً أساسياً ومركزياً في ترسيخه سواء من خلال مبادرة فاس التي وضعها الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، أو من خلال مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتي أقرها مؤتمر القمة العربي في بيروت ورد عليها شارون باجتياح الضفة الغربية وحصار ياسر عرفات حتى قتله مسموماً، وبذلك يصبح من الواضح أن هناك خطين لا يمكن أن يلتقيا هما: خط السلام الذي يتبنى مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وخط المقاومة الذي يقوده حزب الله، والذي تستهدف الفتن المذهبية استدراجه إلى معارك جانبية تلهيه عن معركته الرئيسية مع العدو الصهيوني في إطار المخطط الجهنمي لإشغال الأمة بمعارك جانبية من مثل طول اللحية وقصر الثوب وغيرها. ولا نريد أن نذهب بعيداً فنتساءل هل إن مواصلة الهجوم على حزب الله من قبل جهات ومؤسسات تدور في الفلك السعودي تندرج في إطار التمهيد للاعتراف السعودي الرسمي بإسرائيل والتطبيع الكامل معها وفق مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي تبنتها القمم العربية؟ وهل يصح ان نضع في هذا الإطار الدعوة السعودية للمؤتمر الحوار بين الأديان والذي دعي للمشاركة فيه «الملتقى اليهودي العالمي»، وهي منظمة دولية تمثل الجماعات اليهودية في أكثر من 80 بلداً في العالم، والذي يمثل الواجهة الدبلوماسية لليهود في العالم عند التعامل مع الحكومات والمنظمات الدولية.

ثم هل يعقل أن نتحاور مع اليهود الذين يحتلون أرضنا ومع المسيحيين الغربيين الذين يساندون هذا الاحتلال والبوذيين وغيرهم من أصحاب العقائد الوضعية، و نقفل باب الحوار مع شركائنا في الوطن والتاريخ والعقيدة من شيعة آل البيت، بل ونحرض على قتلهم ذلك أن الحكم بالكفر هو دعوة للقتل، خاصة في ظل الفوضى التي يعيشها العالم الإسلامي والتي صار التحريض المذهبي في ظلها يتحول إلى ممارسة للقتل والتفجير الجماعي، وما تفجيرات عمان والتفجيرات التي استهدفت مقام الإمامين العسكريين والصحن الحيدري ببعيدة عنا.

نعود إلى بيان الـ 22 لنقاش بعض ما ورد فيه وأول ذلك أن البيان يبدأ بالقول: '' فهذا بيان بحقيقة الشيعة ''الرافضة'' فإنها الطائفة التي نبتت في جسم الأمة منذ عهود متطاولة بفعل بعض اليهود''، والملاحظ في هذا الاستهلال أنه شمل الشيعة كلها على ما بين طوائفها من اختلافات تماماً مثلما هو حال المذاهب السنية، وهذا ليس من العلم والتقوى بشيء. أما أن الشيعة طائفة نبتت في جسم الأمة منذ عهود متطاولة فإن ذلك من دلائل عظمة الإسلام وميزة الاجتهاد فيه والذي جعل المسلمون وفي ظل توحيدهم لربهم وإيمانهم برسولهم وحجهم لكعبتهم وصيامهم لرمضان وإيمانهم باليوم الآخر يتباينون في اجتهاداتهم في ظل إسلامهم الواحد؛ فكانت اجتهادات أهل السنة وأهل الشيعة، وهذا التباين لا يجيز لأحد أن يكفر الآخر؛ فالتكفير شروطه المناط تطبيقها بأهل الاختصاص من قضاة المسلمين العدول أخذين بعين الاعتبار أن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هي شرط إسلام المرء وخروجه من دائرة الكفر وحرمة دمه وماله وعرضه على أخيه المسلم. كما أنه لا يجوز تكفير طائفة أو جماعة كاملة ما لم تجهر هي بالكفر الصريح أو تمارس أعمال تنطبق عليها شروط الكفر، وقد آن أوان إغلاق باب التكفير الذي جلب على أمتنا الكثير من المصائب والفتن.

أما القول بأن الشيعة نبتت بفعل بعض اليهود، فهو قول مردود لا دليل على صحته مع الأخذ بعين الاعتبار أن يهود اندسوا في كثير من المذاهب الإسلامية وحرضوا بعضها على بعضها الآخر، مذكرين أن بعض مؤرخي الوهابية يرمونها بما ترمي هي الشيعة به؛ فبعض المؤرخين يذهب إلى أن الجاسوس البريطاني مستر همفر كان المرشد الروحي لمؤسس الوهابية، وأن الجاسوس البريطاني جون فليبي المعروف باسم الحاج عبدالله كان القائد والمخطط الفعلي لجيوش الوهابية، خاصة في حربها ضد أشراف مكة من آل البيت، لهذا كله فإننا ندعو المسلمين إلى عدم استحضار الخلافات والاتهامات التاريخية لتحكم واقعهم المعاصر؛ فتظل فرقتهم هي سيدة الموقف في بلادهم.

بعد ذلك يتحدث البيان عن القرامطة باعتبارهم فرقة من فرق الشيعة ويستحضر من تاريخهم ''قطعهم الطريق على الحجاج بالقتل والنهب ومجيئهم إلى مكة سنة 317هـ، فقتلوا الحجيج ورموهم في بئر زمزم وقلعوا باب الكعبة وقلعوا الحجر الأسود'' وهنا نقول إنه رغم أنه لا علاقة للشيعة الجعفرية التي ينتمي إليها حزب الله الذي هو هدف بيان الـ22 بالقرامطة، فماذا يقول الموقعون على البيان لو أن أحداً استحضر لهم دخول الوهابين إلى مكة سنة 1218هـ وسنة 1220هـ، وهو الدخول الذي أرخه مؤرخ الوهابية عثمان بن بشر الحنبلي النجدي من أحداث ذلك العام، ''إن الوهابيين راحوا يقتلون الحاج ويأسرون من يمر بهم، واشتد الغلاء في مكة بشكل فاحش لم تشهده من قبل حتى باع أهل مكة أثاثهم وحلي نسائهم بعشر القيمة، ليشتروا أقوات أطفالهم بأضعاف أثمانها، ومات الكثير من أهل مكة جوعاً وانتشرت جثث الأطفال في الأزقة''، ويذكر المؤرخ عثمان النجدي : '' أن لحوم الحمير والجيف بيعت فيها بأغلى الأثمان، وأكلت الكلاب، وأخذ الناس يهجرونها نتيجة الخطر الجاثم على أطرافها، فلم يبق فيها إلا النادر من الناس''.

ويصف المؤرخ ابن غنام في كتابه '' تاريخ نجد'' بعض وقائع ذلك العام فيقول: '' خلال غاراتهم على مكة والمشاعر العظام توجه اثنان من قادتهم وهما ( عثمان المضايفي - والذي أصبح أمير الطائف بعد الاستيلاء عليها - وابن شكبان) إلى عرفة فقتلا من لم يطعمهما وأسرا الكثير من الناس، ثم انتقلا إلى وادي مر ينهبون ويقتلون الواردين إلى مكة المكرمة مما أدى إلى امتناع أهل الحجاز عن الحج، وأحرق المحمل المصري رمز اجتماع الحجيج، ولقد رفض أمير الحج الشامي شروط الوهابية وعاد إلى بلاده ومن معه.

كل هذا دفع بالشريف غالب والي مكة إلى الموافقة على الصلح مع الوهابيين، والسماح لهم بالدخول إلى مكة، التي بقي حكمها له على أن يحظر الصلاة والسلام على الرسول الكريم، بعد الأذان لأنها بدعة، وأن يوافقهم على ما يريدون.

وكان من نتيجة استيلائهم على مكة المكرمة ومنطقتها أن انفلت حبل الأمن فانتشر السلب والنهب، واضطربت السبل، ولم يستطيعوا ضبط الوضع بوضع حد لهذا الفلتان''.

ويقول بعض المؤرخين: '' أنه عندما تم احتلال مكة قد خطبهم خطبة فتح مكة الشيخ فيلبي الذي يسمونه الشيخ عبدالله، وقد أذن وصلى بالناس في الحرم إماماً، وعندما احتج بعض شيوخ البادية على ذلك قال قائد الوهابية: '' يا إخوان المسلمين...لولا هذا الرجل الذي اسمه الشيخ عبدالله فيلبي ما دخلتم مكة المكرمة، وهذا مندوب الإنجليز هل تريدون أن أغضبه وأرضيكم..''.

ولقد ذكر المستر هامفر في مذكراته أنه طلب من محمد بن عبدالوهاب هدم الكعبة المشرفة، ولكنه اعتذر إليه أن ذلك غير ممكن لأن الدولة العثمانية ستواجه بكل ثقلها لاستئصال حركته، وستكون نتائج ذلك عكسية عليهم وعلى مشروعهم، فصرفوا النظر عن المشروع، كما أن مؤرخ الوهابية عثمان بن بشر الحنبلي يذكر في كتابه ''عنوان المجد في تاريخ نجد'' من أحداث 1221هـ الحادثة التالية: '' فلما خرجوا من الدرعية قاصدينً مكة أرسلوا فراج بن شرعان العتيبي ورجالاً معه، وطلبوا منهم أن يمنعوا الحواج التي تأتي من جهة الشام واسطنبول ونواحيهما، فلما أقبل على المدينة الحاج الشامي ومن تبعه، وأميره عبدالله العظم باشا الشام فأرسل إليه هؤلاء الأمراء أن لا يقدم وأن يرجع إلى أوطانه، ويضيف: '' ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل الشام ومصر والعراق والمغرب (أي بلاد المغرب العربي) وغيرهم إلا شرذمة قليلة من أهل المغرب لا اسم لهم ''، فأين هذه الممارسات من توجيهات رسول الله (ص) الذي يزعمون أن مذهبهم قام لتطبيق سنته عليه السلام فقد قال عليه السلام: '' إن الله عزوجل حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وأنها لم تحل لأحد قبلي ولن تحل لأحد بعدي، وأنها أحلت لي ساعة من النهار، وأنها ساعتي هذه حرام، يخبط شوكها، يعضد شجرها ويلتقط ساقطتها إلا منشد ومن قتل له قتيل يخير النظيرين إما أن يعطي الدية وإما أن يقاد أهل القتيل..''

وكما يمكن استحضار الكثير من المواقف التي يشبه بها بعض المؤرخين ممارسات الوهابيين بممارسة القرامطة التي أشار إليها بيان الـ22 فإنه كذلك يمكن استحضار الكثير من المواقف التي يشبه بها المؤرخون ممارسات الوهابيين في مواسم الحج بتلك الممارسات التي أشار إليها بيان الـ22 عندما قال عن الشيعة: '' وهم يثيرون الفتن وأنواع من الفساد والدمار بالمسلمين وزعزعة الأمن في بلاد المسلمين، كما حصل في بعض مواسم الحج في مكة وفي اليمن من الحوثيين...'' من ذلك أن بعض المؤرخين يذكرون أنه في سنة 1959م منع الحاج السوري من الوصول إلى مكة المكرمة، كما أرجعت كسوة الكعبة المشرفة المرسلة من مصر ومنع الحجاج المصريون ما لم يدفعوا المكوس بالعملة الصعبة، كما منعوا الحاج اليمني بعد انقلاب السلال، إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى قتل الحجيج العزل، فعلى هذا الصعيد يذكر المؤرخون مجزرة مروعة وقعت ضد الحاج اليماني سنة 1241هـ/1921، حيث تم الانقضاض على الحج اليماني المتوجه إلى مكة، فقد صدف أن التقت سرية من الوهابيين بحوالي ألف من أبناء اليمن القادمين لأداء فريضة الحج، وكانوا بطبيعة الحال عزلاً من السلاح، فسايرهم الجنود بعد أن أعطوهم الأمان، فلما وصل الفريقان إلى وادي ( تنومة) انقض المسلحون على الحجاج بأسلحتهم فأبادوهم فلم ينج منهم إلا اثنان...''...

إن هذه الوقائع تدلل على أنه ليس من مصلحة أحد من المسلمين استحضار تاريخ الخلافات، ففي هذا التاريخ ما يدين كل فريق وقد آن الأوان أن نكون أبناء عصرنا وأن ننطلق إلى بناء مستقبلنا على أرضية من التسامح والحوار والتفاهم والتعاون والتعارف، كما يقضي بذلك ديننا الحنيف الذي يحاول التكفيريون أن يضيقوه علينا باستحضارهم وعبر فهمهم الضيق للنصوص، وقائع يمكن أن يتهم بها كل فريق الفريق الآخر من قبل ما جاء في بيان الـ22 عن الشيعة، عندما قالوا: '' وإذا كانت لهم دولة أذلوا وتسلطوا على من في ولايتهم من أهل السنة، كما عليه الحال في إيران والعراق..''، وعند هذه النقطة نقول.

لماذا تغاضى وتناسى الموقعون على البيان حال إخوتنا من أتباع المذهب الشيعي من شركاء الوطن في البلدان التي تزعم أنها سنية؟.

أو ليس من الأجدى أن يدعو علماء الأمة إلى سيادة مفهوم المواطنة في بلاد الإسلام الذي سمح لأتباعه بحرية الاجتهاد في ظل عقيدة التوحيد؟ غير ناسين أنه في ظل دولة الإسلام عاش غير المسلمين من يهود ونصارى ومجوس وصابئة بحرية في الاعتقاد والعبادة، فلماذا يريد البعض أن يضيق أرض الإسلام على بعض أتباع المذاهب الإسلامية وهي جزء أساسي من نسيج الأمة وتاريخها؟.

ولماذا هذا الإصرار على استعداء إيران والسعي لاستبدال عداء الأمة لعدوها الصهيوني والأمريكي بعداء لبعض أبنائها الذين تجمعهم عقيدة التوحيد وأركان الإسلام الخمس؟..

ومع اقتراب بيان الـ22 من نهايته يصل إلى ما نعتقد أنه هدف البيان، عندما يقولون: '' وعلى هذا فكثير من المسلمين من المتعلمين والمثقفين فضلاً عن العامة قد انخدعوا أو ينخدعون بمزاعم الرافضة في نصرة الدين وعداوة اليهود والأمريكيين كما حصل من انخداع بمزاعم من يسمى بحزب الله في لبنان..''، وعند هذه النقطة نحب أن نتوقف طويلاً لنطرح على أصحاب البيان وعلى الذين يمثلونهم عدداً من الأسئلة.

أولها: ماذا فعلتم أنتم لرد عدوان اليهود والأمريكان على الأمة؟.

بماذا احتججتم عندما صدرت الفتوى عام 1991م بجواز الاستعانة بالأمريكان لذبح العراق والعراقيين؟.

ماذا فعلتم لمنع استخدام أرض المسلمين قواعد للأمريكان ينطلقون منها لذبح المسلمين سنة وشيعة سواء في العراق أو في أفغانستان أو في فلسطين أو في لبنان؟.

ماذا فعلتم لرفع الحصار عن غزة وكل أهلها من السنة إن كانت غيرتكم على أهل السنة فقط؟، رغم أن شيعية حزب الله وإيران لم تمنعهما من نصرة غزة وسائر أهل فلسطين انطلاقاً من فهمها الصحيح للأخوة الإسلامية التي تحاولون تضييقها.

لماذا هذا الصمت عن استقبال بوش القادم إلى عواصم العرب من قلب احتفاله بالذكرى الستين لاغتصاب فلسطين التي رقص على جثتها رقصة العراضة في بلاد العرب والمسلمين؟..

أين دعوتكم لتحرير أموال المسلمين من قبضة البنوك الغربية واستخدامها لتنمية بلاد المسلمين وتطوير قدراتهم العلمية والاقتصادية والعسكرية؟.

إذا كانت القضية قضية حرقة على أهل السنة، فأين وقوفكم في وجه التضييق على أهل السنة وعلمائهم في غير بلد من البلدان التي تدعي حكوماتها أنها سنية؟، ولماذا لا تصدروا بياناً تطالبون فيه بالإفراج عن العلماء من معتقلات أهل السنة؟.

وقبل هذا كله وبعد ماذا فعلتم لتحرير مسرى نبي الله ومعراجه من الاحتلال اليهودي المدعوم أمريكياً؟.

لقد كان على الذين وقعوا بيان الفتنة أن ينحوا ببيانهم غير هذا المنحى فيدعون إلى حوار جاد ومعمق بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم لتقريب وجهات النظر ولتوحيد الصفوف في مواجهة أعداء الأمة، وبذلك يمتثلون لقوله تعالى: '' ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ''، وبذلك يعطون لمبادرة الحكومة السعودية بالدعوة للحوار بين المسلمين مصداقية وأثراً ملموساً على الأرض، أما أن يتزامن بيانهم مع الحرب الإعلامية والاستخباراتية ضد المقاومة وعلى رأسها حزب الله بهدف إشغاله عن معركته الحقيقية، ومن ثم إضعاف المقاومة عبر تأليب الناس عليها، فهو ما لا نرضاه لعالم من علماء الأمة الذين آن الأوان كي يتصدوا لأداء دورهم في توحيد الأمة على ثوابتها لتتعاون فيما تتفق عليه وليعذر بعضها بعضها الآخر فيما يختلفون حوله. وهذا الذي نختلف حوله من الإفرازات السياسية وليس من صلب العقيدة..

جريدة اللواء الأردنية
(106)    هل أعجبتك المقالة (106)

إليانور مطانيوس

2008-06-17

شكراً لك يااستاذ حسن والله إنك كفيت ووفيت .. طوبى لكل الطيبين والمخلصين لهذه الأمة .. جزاك الله كل خير .. طوبى لكل من يجمع ولايفرق وأنت منهم يا استاذ حسن انشاء الله .. والعار كل العار على المفتنين من أي طائفة كانوا و لأي مذهب انتموا وخصوصاً أولئك الوهابيين الأشرار وأبعدناالله عنهم وعن شرهم وغيهم .. ونطمئنك يا استاذ حسن بأن بيانهم الأخير القذر ليس إلا فقاعة بالهواء لن يقدم ولن يؤخر واكبر دليل تلك الفتوى الفتنة التي أصدروها أثناء عدوان تموز 2006 والتي لم تساوي الحبر الذي كتب به شلت أياديهم .. فالشعب العربي من المحيط إلى الخليج خرج لمناصرة أشقائه المقاومين الشرفاء الأبطال في حزب الله و بغض النظر عن الإنتماء لأن هذا الشعب الأبي يعرف عدوه جيداً ولم ولن نضيع بوصلته وهذا الشعب الشهم أوعى من أولئك المتخلفين قبحهم الله . مرة أخرى كل التحيات الصادقة والمحبة لك أيها الاستاذ الرائع .. جزيل الشكر لك ياطيب ...


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي