أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"زمان الوصل" تدخل أنفاق "زوبع".. مركز يعمل 24 ساعة متواصلة لإنتاج الكيماوي

زوبع... 60 عسكريا و1600 متر مربع جرت ويلات مدمرة على الشعب السوري - مخطط حقيقي لزوبع انظر أدناه- زمان الوصل

كشف مصدر خاص لـ"زمان الوصل" عن معلومات حصرية وشديدة الحساسية تتعلق بمركز "زوبع" السري، الذي اختاره النظام على مدى عقود لتحضير وإنتاج مواد كيماوية، استخدمت لاحقا في قمع الشعب السوري وإبادته.


المصدر الذي تتحفظ الجريدة على ذكر اسمه حفاظا على أمنه وحياته، أوضح أنه عمل بصفة موظف مدني في مركز "زوبع" حتى عام 2012، موضحا كيف شاهد بأم عينيه أماكن وتجهيزات تحضير الكيماوي، وكيف كان يشم روائحه المنبعثة دائما، طوال فترة خدمته هناك.
وفي بداية حديثه أشار المصدر إلى أنه تقدم بطلب للتعيين في "المعهد 3000" التابع لمركز البحوث العلمية في منطقة برزة شمال دمشق، وقد تمت الموافقة على طلب تعيينه بينما كان يخدم في الجيش، واستدعاه المعهد أكثر من مرة ليلتحق بعمله فأخبرهم أنه ما يزال يؤدي الخدمة العسكرية.

حالما أنهى خدمته العسكرية، توجه المصدر إلى المعهد 3000 ليباشر عمله، ففوجئ بأنهم قرروا تعيينه في مكان لم يسمع به من قبل.. موقع حساس "عم نشتغل فيه لخدمة الوطن ومواجهة إسرائيل"، حسب ما أخبره مسؤول في المعهد، أشيب ضخم الجثة والرأس يرتدي ملابس مدنية ويتحدث بلكنة "العلويين"، تم إعلام المصدر بأنه مسؤول الأمن في مركز البحوث.

*جار "سكود"
يحاول المصدر تذكر أول مرة توجه فيها إلى "زوبع" ليحط رحاله في مكان موحش، سيتضح له لاحقا أنه ليس موحشا فقط بل هو معقل من معاقل توحش النظام، فيقول: "خرجت من المعهد مع اثنين بسيارة تويوتا هاي لوكس، باتجاه طريق حمص، وقبل وصولنا إلى مدينة النبك، وعند إشارة لمدينة يبرود على اليسار، هناك مفرق معروف باسم نزلة حاجولة، نزلة قاسية ومتعرجة تقطعها السيارة بحوالي ثلث ساعة، وفي منتصفها تقريبا حاجز عسكري لمراقبة وتفتيش من يمرون على الطريق".

ويوضح المصدر أنهم عندما قطعوا نزلة "حاجولة" اتجهوا مسافة تقارب 2 كيلومتر نحو "الناصرية"، حيث صادفوا على اليمين قطعة عسكرية، عرف لاحقا أنها اللواء 155 (صواريخ سكود)، ومن جانب اللواء تابعت السيارة طريقها الصاعد في الجبل لتصل إلى مركز "زوبع"، الذي يتوضع في مكان مشرف ومطل على مساحات واسعة من محيطه، وهو أعلى من موقع اللواء 155، ولايعلو "زوبع" سوى قطعة عسكرية نصبت فيها المدافع.

ويصف المصدر "زوبع" من مدخله حتى آخر مكان فيه، موضحا أن للمركز مدخلا لايختلف عن مدخل أي قطعة عسكرية عادية، حيث تتوضع بجانبه غرفة تضم مناوبين من مفرزة الحراسة (مخابرات جوية)، يتولون التأكد من هوية الداخلين وتقييد أسمائهم.

بعد المدخل يتم سلوك طريق تقارب مسافتها 2 كيلومتر، وصولا إلى منتصف المركز، حيث "القلب" الذي يتم فيه تحضير أنواع مختلفة من المواد الكيماوية شديدة السمية والخطورة، ضمن ما يسمى "الأنفاق"، التي تشكل القسم الأضخم والأهم من مركز "زوبع" الممتد نحو 2.5 كيلومتر طولاً وحوالي واحد كيلومتر عرضا.

وكأي قطعة عسكرية تابعة لجيش النظام، رأى المصدر أبنية عادية مشادة قرب بعضها، ومنها ورشة الكهرباء التي تطل على الشمال، وورشة الميكانيك التي تعادل مساحتها نحو 100 متر مربع.

وغير بعيد عن ورشة الميكانيك هناك مخبر من طابقين، أبعاد الطابق الواحد منه 6 في 4 أمتار تقريبا، وبموازاته تقريبا "مخرطة" يليها مكتب مدير المشروع، وهو عميد كنيته "رمضان"، مربوع القامة بشعر أشيب، متحدر من طرطوس.

وإلى جانب هذه الأبنية يتوضع مستودعان أحدهما للكهرباء (الرئيس) والآخر للميكانيك، وهما منحوتان في الجبل، بطول 30 وعرض 8 أمتار لكل منهما، ولكل منهما باب واسع وعال من الخرسانة يفتح بواسطة الكهرباء.

*برتقال وكابتشينو
حتى هذه اللحظة لم يكن لدى مصدرنا ما يمكن أن يشعره ولو للحظة بأنه حقا أمام مركز سري وشديد الحساسية، لكن تبرع أحد العاملين في المركز لاصطحابه إلى "الأنفاق" قلب المشهد رأسا على عقب، وكاد يعقد لسان المصدر من هول ما رآه.

أول ما وقعت عليه عين مصدرنا من الأنفاق، كان باباً من الخرسانة المسلحة (باطون) واسعا وعاليا يسمح بمرور الشاحنات الضخمة، وخلف الباب سرداب بارتفاع 5 أمتار أو أكثر وطول 50 مترا تقريبا، وفي نهاية هذا السرداب ما يسمى الصالات، وهي عبارة عن مركزين كبيرين لتحضير وإنتاج الكيماويات.

فعلى يمين الداخل إلى السرداب هناك الصالة 70 وعلى يساره الصالة 50، وكلاهما مزودتان بغرفة تحكم مستقلة، ولكليهما مدخل ومخرج منفصل، وكل صالة منهما تعادل مساحتها الإجمالية 800 متر مربع (100 طولا، 8 عرضا).

وفي السرداب المؤدي إلى الصالات، منفذ مجهز ليشكل مخرج طوارئ في حال استهداف الأنفاق أو حدوث شيء استثنائي، ومما يضمه المنفذ سلم حديدي يؤدي في نهايته إلى فتحة تضعك قرب قمة الجبل الذي بني "زوبع" عليه، ونحتت أنفاقه الموحشة في قلبه.

ويؤكد مصدرنا أن الدخول إلى الأنفاق (صالتي التصنيع) يستوجب ارتداء القناع الواقي (الأصلي المصنوع في روسيا)، وانتعال أحذية خاصة ولباسا سابغا (أفرول)، منعا لاستنشاق الشخص أي غازات أو إصابة جسده بأي آثار كيماوية.

ويصف المصدر مدى ذهوله في المرة الأولى التي شاهد فيها الأنفاق وما تحويه، حيث لم يكن يصدق في حياته أن يرى مشهدا كهذا، مبينا أنه وصل إلى نهاية الصالات حيث تتوضع صنابير وبراميل يتم تعبئتها بالمنتج النهائي، فسأل مرافقه عن محتواها، فأجابه بلهجة تخلط الجد بالمزاح: هذا برتقال، وهذا كابتشينو.. ولا تعد للسؤال مرة أخرى حتى لاتقطع رقبتك.

*ورديات
يلفت المصدر إلى أن تصميم الصالتين 70 و50 متشابه، من حيث وجود لوحات التحكم والمؤقتات، والحوجلات الزجاجية الضخمة، التي يتجاوز حجم الواحدة منها حجم برميل، ووجود مساحة لتخزين المواد الأولية، إلا أن كل صالة منهما تعمل على إنتاج أنواع محددة، لم يستطع التعرف إليها تماما، لأن القائمين على الإنتاج الكيماوي هم من العسكريين المتطوعين، أما الموظفون المدنيون فكانت أعمالهم خارج هذا النطاق (أعمال الكهرباء، أعمال الميكانيك، الإشراف على المستودعات.. إلخ).

يقول المصدر إنه كان يداوم في "زوبع" بنظام "يوم دوام يوم عطلة"، أي بمعدل 3 أيام في الأسبوع، حيث تأخذه حافلة المبيت من أمام منزله لتضعه في المركز الساعة 9 ونصف صباحا، ثم تعود لتأخذه مع آخرين في الثامنة مساء.

لكن أكثر ما يثير الدهشة في كلام المصدر تأكيده أن العمل لم يكن لينقطع أبدا في الصالات، التي كانت تشتغل 24 على 24 بنظام الورديات؛ لتبني للنظام ترسانة من الكيماويات والسموم، يقدرها مصدرنا بما بين 100 و120 برميلا في الأسبوع.

صالات (ورشات) إنتاج الكيماوي يشغلها في الوردية الواحدة نحو 20 عنصرا، ما بين ضابط وصف ضابط، غالبيتهم من مناطق الساحل وحمص، حسب مصدرنا، الذي يقول إن مجموع العاملين في مركز "زوبع" كان يعادل 120 شخصا، نصفهم تقريبا مدنيون.

أما عن طريقة ترحيل "الإنتاج" ووجهته، فيشير المصدر إلى أن ليس لديه معلومات يقينية حول الأمر، لأن الترحيل كان يتم بعد نهاية الدوام (بعد الساعة الثامنة)، ولم يكن بوسع الموظفين المدنيين الاطلاع على الأمر، مبينا في الوقت نفسه أن المركز كان يستقبل بين شاحنتين إلى 3 شاحنات كبيرة كل أسبوعين تقريبا، تفرغ حمولتها من المواد الأولية وغيرها في المكان المخصص، فما كان من نصيب الصالات يتم إفراغه فيها بواسطة العساكر المتطوعين، وما كان من نصيب المستودعات يتم تنزيله فيها.

أما عن أسماء الضباط الفاعلين في مركز "زوبع"، فيذكر المصدر في مقدمتهم "العقيد علي حاطوم" مسؤول وردية الصالات (ورشة الكيماوي)، وهو رجل طويل أصلع نحيل، يتحدر من الساحل، إلى جانب العقيد "محسن يوسف" الذي كان مسؤولا عن ورشة الميكانيك، وضابط أمن المركز "حيدر العلي".

*إغلاق!
في شباط/فبراير 2012، وبينما كان الموظفون في "زوبع" يواصلون أعمالهم، فوجئ المصدر بزيارة مسوؤل الأمن في مركز البحوث وطلبه الاجتماع بالعاملين ليعلن أمامهم صدور قرار إغلاق المركز ونقل العاملين فيه إلى "المعهد 3000"، تحت ذريعة الخوف على سلامتهم، ومنعا لتعرض "المسلحين" لهم، وهنا قاطعت "زمان الوصل" المصدر لتسأله إن كان بالفعل هذا هو السبب الحقيقي للقرار أم إن قرب المركز من اللواء 155 المخصص لإطلاق الصواريخ الباليستية هو الذي فرض الأمر، حتى يتسنى للنظام العمل براحته ودون أن يكون نشاطه في إطلاق الصواريخ تحت الأعين، فأجاب المصدر بلغة جازمة أن قرار إغلاق "زوبع" كان لهذا الغرض المتعلق باللواء 155 فعلا، ولأغراض أخرى.

واستدل المصدر على كلامه بأمرين، الأول هو أن قرار الإغلاق جاء ليعطي مبررا شكليا لـ"ترحيل" الموظفين المدنيين في المركز فقط، حيث بقي العسكريون يخدمون فيه، أما الأمر الثاني فهو أن أحد الموظفين المدنيين اضطر للتوجه إلى "زوبع" بعد تركه بفترة، من أجل إحضار أشياء مهمة للعمل في "المعهد 3000"، ولما عاد أخبر مصدرنا أنه رأى بأم عينيه 3 صواريخ سكود تنطلق من اللواء 155 باتجاه الشمال، وهذا ما كان يحرص النظام أن لا يراه الآخرون.

ولكن هناك أمرا آخر أكبر كان النظام يحاول جهده ليبقى طي الكتمان وضمن أضيق دائرة، ألا وهو إضافة مهمة جديدة وخطيرة لـ"زوبع"، عبر إنشاء خط لتصنيع البراميل المتفجرة، لمح جزءا منه نفس الشخص الذي كان زميلا لمصدرنا، واضطر للعودة إلى "زوبع" ليقضي بعض الحاجات.

ويعود مصدرنا ليؤكد أن الشكل الظاهر لـ"زوبع" لا يمكن بأي حال أن يشي بما في داخله من أنفاق وورشات لتصنيع الكيماوي، معقبا: لا أعتقد أن أي شخص مهما كان ثاقب النظرة يمكن أن يتوقع وجود موقع للتصنيع الكيماوي في "زوبع"، فأنا نفسي كنت أرى الموقع أقل من عادي، رغم أنهم أخبروني بأنه سري وحساس، وبقيت أراه عاديا حتى بعد أن دخلت وتجولت، إلى أن وصلت إلى "المخفي" أي الأنفاق، وعندها عرفت الحقيقة المخبأة وراء هذا المركز المرمي في بقعة نائية، والذي ليس هناك أي شيء يمكن أن يوحي بخطورته أو أهميته، فلا هو محمي بإجراءات مشددة، ولا سواتر، ولا أسوار عالية، وكل ما يظهر منه أبنية بسيطة متوضعة على أرض أحيطت بأسلاك شائكة.

*منذ 1984
يستبعد المصدر أن يكون طاقم منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قد تمكن من الوصول إلى المركز، عقب صفقة الكيماوي التي تمت برعاية روسيا والولايات المتحدة، وقضت بتسليم النظام ترسانته من هذا السلاح، منوها بأنه لايعرف بالتحديد عمر المركز ولا سنة إطلاق العمل به، ولكنه اطلع على سجلات خاصة به تعود للعام 1984.

ويؤكد المصدر أنه لم يلحظ طوال فترة عمله في "زوبع" أي زيارات من مسؤولين غير سوريين إلى المركز، حتى مسؤولو النظام الكبار كانت زيارتهم له نادرة للغاية، وقد كان يتردد أمامه أن بشار الأسد زار المركز شخصيا أيام حكم والده حافظ، ثم زاره مرة أخرى بدايات حكمه، كما زاره مصطفى طلاس وزير دفاع النظام الأسبق، وتجول في أنفاقه بمفرده، حيث لم يسمح لمرافقته بالدخول. 

ويفيد المصدر بأنه لم يكن يتوقع يوما أن يكون الكيماوي الذي كان يعاين تصنيعه ويستنشق روائحه المنبعثة من الأنفاق.. أن يكون هذه السلاح الفتاك سيفا مسلطا على أرواح السوريين، وهو الذي ما زالت ترن في أذنيه عبارة المسؤول الأمني الذي يوصيه بالكتمان لأنه سيعمل في موقع "يخدم الوطن ويواجه إسرائيل".

زمان الوصل - خاص
(268)    هل أعجبتك المقالة (273)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي