النهر العاشق ... نازك الملائكة
أين نمضي? إنه يعدو إلينا |
راكضًا عبْرَ حقول القمْح لا يَلْوي خطاهُ |
باسطًا, في لمعة الفجر, ذراعَيْهِ إلينا |
طافرًا, كالريحِ, نشوانَ يداهُ |
سوف تلقانا وتَطْوي رُعْبَنا أنَّى مَشَيْنا |
** |
إنه يعدو ويعدو |
وهو يجتازُ بلا صوتٍ قُرَانا |
ماؤه البنيّ يجتاحُ ولا يَلْويه سَدّ |
إنه يتبعُنا لهفانَ أن يَطْوي صبانا |
في ذراعَيْهِ ويَسْقينا الحنانا |
** |
لم يَزَلْ يتبعُنا مُبْتسمًا بسمةَ حبِّ |
قدماهُ الرّطبتانِ |
تركتْ آثارَها الحمراءَ في كلّ مكانِ |
إنه قد عاث في شرقٍ وغربِ |
في حنانِ |
** |
أين نعدو وهو قد لفّ يدَيهِ |
حولَ أكتافِ المدينهْ? |
إنه يعمَلُ في بطءٍ وحَزْمٍ وسكينهْ |
ساكبًا من شفَتَيْهِ |
قُبَلاً طينيّةً غطّتْ مراعيْنا الحزينهْ |
** |
ذلكَ العاشقُ, إنَّا قد عرفناهُ قديما |
إنه لا ينتهي من زحفِهِ نحو رُبانا |
وله نحنُ بنَيْنا, وله شِدْنا قُرَانا |
إنه زائرُنا المألوفُ ما زالَ كريما |
كلَّ عامٍ ينزلُ الوادي ويأتي للِقانا |
** |
نحن أفرغنا له أكواخنا في جُنْح ليلِ |
وسنؤويهِ ونمضي |
إنه يتبعُنا في كل أرضِ |
وله نحنُ نصلّي |
وله نُفْرِغُ شكوانا من العيشِ المملِّ |
** |
إنه الآن إلهُ |
أو لم تَغْسِل مبانينا عليه قَدَمَيْها? |
إنه يعلو ويُلْقي كنزَهُ بين يَدَيها |
إنه يمنحُنا الطينَ وموتًا لا نراهُ |
من لنا الآنَ سواهُ? | |
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية