لم أرَ مثل هذه القوة في عيني أحد، سوى في عيني شقيقة شهيد... تلك النظرة التي تجمع بين وجع الفقد، وعناد البحث، وتحدي النسيان.
امرأة عادية للوهلة الأولى، ترتدي ثيابًا بسيطة، تحمل بيدها ملفًا مهترئًا، وتتنقل من مؤسسة إلى أخرى، من محكمة إلى مقبرة، ومن مشرحة إلى أرشيف دولة منهكة. لكنها في الحقيقة، عمود عائلة، وضمير وطن، ومحامية قضية لا تسقط بالتقادم.
عشرات الأمهات أنهكتهن الصدمة، والآباء ذبلوا تحت وطأة الانتظار. وحدها الأخت وقفت على الحافة، تقاوم كي لا تسقط الذاكرة، تبحث في الوجوه، تتفحص الصور، تقتفي آثارًا ضاعت بين طيات الزمن أو في ملفات "سرّية" لا تُفتح.
هي لا تطالب بتعويض، ولا بلقاء رسمي، ولا حتى باعتذار. كل ما تريده... أن تعرف أين دُفن شقيقها، هل نُطِق باسمه تحت التعذيب؟ هل كان جائعًا؟ هل نادى باسمها في الليلة الأخيرة؟
لم تنظم وقفة احتجاج، ولم تكتب بيانًا سياسيًا، بل لاحقت المجرمين في أركان المحاكم والنيابات العامة.
قبل سقوط الأسد، وقفت أمام السجّان، وقالت له: "سأعود غدًا، وسأعود بعد غد، ولن أتوقف حتى أسمع الحقيقة... كاملة".
وبعد انزياح التسلّط، أكملت طريقها بحثًا عن الحقيقة.
هؤلاء الشقيقات الشجاعات، لسن مجرّد "ذوي ضحايا"، هنّ الرئة التي يتنفس بها ملف الشهداء والمغيبين، القلب الذي ما زال ينبض في جسد العدالة، واليد التي تطرق كل باب مغلق.
كل قضية بقيت حيّة، ورائحة كل قبر لم يجفّ ترابه بعد، وسؤال كل عائلة ما زال معلقًا... له شقيقة تقف خلفه، تقاتل، تصرخ، تكتب، وتحبّ من لا قبر له.
لن تُكتب العدالة في هذه البلاد إن لم تُكتب باسم الشقيقات.
أول من ساهمت في رفع قضية ضد فادي صقر وساعدت والدها بذلك، كانت شقيقة الشهيد أحمد الشعار.
أما شقيقة الشهيد أحمد سوارة، فلم تصمت، وما زالت تبحث وتفعل لإحقاق حقّ شقيقها الصغير.
الحسين الشيشكلي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية