ثمة توافق لدرجة الإجماع، ضمن تلفزيون "سوريا" الذي يبث من مدينة إسطنبول التركية منذ أربع سنوات، على الإعلامية نور الهدى مراد، فالبعض يصفها بسهم التلفزيون الذي لا تخيب رمايته، وآخرون ينعتونها بصحافية الأوقات الحرجة وبجميع الأنواع الصحافية، فهي قارئة النشرات بأدق الظروف وهي مقدمة أكثر البرامج السياسية إشكالية وتفاعلا، وهي المحاورة التي يؤثر القائمون على التلفزيون، تقديمها خلال الحوارات "الثقيلة" كالتي رأيناها مع المفكر العربي "عزمي بشارة" ورئيس الوزراء السوري المنشق "رياض حجاب"، وعشرات اللقاءات الخاصة التي أفلحت "نور الهدى"، برأي المتابعين، بإخراج جل ما يطلبه المتابعون.
سألنا "نور الهدى" أولاً عن دراستها وبدايتها بالإعلام المطبوع بدمشق، فأوجزت كعادتها: درست الإعلام في جامعة دمشق وبدأت العمل، بالتوازي مع الدراسة، في الصحافة المكتوبة التي أحب وأهوى "في مجلة اقتصادية شهرية بدمشق"، كنت وقتذاك أشق طريقي بنية الإخلاص للصحافة المكتوبة ومتابعة الدراسة والانهماك في المجال الأكاديمي. لكن زلزال سوريا الأجمل وانفجارها المحق الكبير "الثورة" هزت هاتيك الأحلام وحركتها، وغيرت مسار السوريين جميعًا وكان لتبدل عملي وإقامتي وأحلامي، منها نصيب.
وتتابع الإعلامية السورية حول لجوئها إلى تركيا وبداية عملها بالمرئي: "وجدت نفسي عام 2014 في اسطنبول بعد رحلة شاقة تعثرت المهنة خلالها كثيرًا، وهناك دخلت بمحض المصادفة للعمل في أحد التلفزيونات العربية". وتضيف "أنا ممن اختارتهم الشاشة ولم يختاروها، إذ كان المطلوب مذيعة أخبار، وأنا كنت بحاجة العمل، فتركت البحث في مجال اهتمامي الرئيسي في المكتوب واستسلمت للتلفزيون".
ولكن تلك التجربة المصادفة، كانت بداية لنور الهدى التي تقول إنها تنقلت بين ثلاث مؤسسات عربية إعلامية مرئية، خاضت خلالها تقديم النشرات والتغطيات والبرامج الحوارية، قبل أن تهيئ لها الفرصة في تلفزيون سوريا، الذي تصف العمل ضمن كادره بالنقلة الفارقة في انتشارها.. والتجربة الأكثر نضوجًا وتمايزًا.
ولكن، وكما أفادنا زملاء "نور" بأنها تحضّر لأيام قبل أي لقاء وتبحث بكتب وملفات قبل أي حلقة من برنامجها، ترى أن مقدمين كثر يعملون بطريقة القارئ، ويختلف الأمر حسب الخلفية العلمية والثقافية التي ينحدر منها المقدم، ولكن "بالنسبة لي أنا صحفية في المقام الأول: "لدي الخبرة في الإعداد ولدي التمكن من الملفات، وأؤمن بأن جودة الحوار المقدم يعتمد بالدرجة الأولى على كم معلومات المحاور ومعرفته عن الضيف ومادة الحوار، وهو ما يميز محاور عن آخر.. ثم يصبح لدى المحاور طابعه المميز، جلسته.. انطباعاته.. أسلوبه في التفاعل والانتقال بسلاسة بين الأفكار، طريقته في قطع الضيف والعودة إليه تحت الإلزام الشديد بالوقت، وقدرته على استخراج ما هو أكثر قيمة وجدة من الضيوف، المحاور هو مذيع يبرع في إدارة الحوارات، وليس كل مذيع محاورا.. وهنا تكمن الفوارق".
كيف يمكن المحافظة على حيادية المقدم، خاصة إن كان الملف إنسانياً أو يتعلق بالثورة السورية وأنت بتلفزيون سوري معارض للنظام، سألنا الإعلامية "مراد" فردت بأنه من أصعب مافي العمل في ملف يمسنا وجدانيًا هو اتخاذ المسافة المناسبة من الملفات، معتبرة أن البراعة في ألا يكون المحاور طرفًا، وهنا تبدو الحاجة لهذه المسافة في التلفزيونات التي تتناول شأنا عربيا او دوليا منوعا أكثر من التلفزيونات المحلية.
ولكن، تستدرك خلال حوارها مع "زمان الوصل" بالقول "يكون مبررا في حالات وجدانية معينة متفق عليها بين السوريين إظهار الانحياز والتعاطف والتطرف -بالمعنى الإيجابي- لما هو حق وعدل.. لكن تلفزيون سوريا كتلفزيون معارض يتبنى قيم الثورة، أتاح لي مساحات كبيرة من التقاطع بين ما اعتنقه وبين السياسة التحريرية، والتطابق في الانحياز إلى الحق والحرية والحلم الكبير بسوريا ديمقراطية، وهذه نعمة تتاح للصحفي أن يحظى بمؤسسة يتقاطع معها في معظم الخطوط الرئيسية، وتتاح له الحرية في التفاصيل للتنقل بما يراه مناسبا ومهنيا".
وتردف: "تلفزيون سوريا ظهر في وقت تراجع خلاله الاهتمام في الملف السوري في وسائل الإعلام العربية والعالمية، فشكل مصدرا مهما لمتابعة الخبر والتحليل السوري، وأعطى منصة إضافية لمواهب متنوعة ولكتاب كثر ليعيدوا رواية القصة السورية وتوثيقها على مسافة زمنية جيدة من بدء الأحداث، تتيح تناول كل التفاصيل بمنظور أكثر عمقا وموضوعية، فترى التلفزيون تجاوز أخطاء كثيرة وقعت فيها وسائل إعلام أخرى، طائفية أو عرقية أو مناطقية، وتجنب تحيزات أثبتت مع الوقت كارثيتها، مع انها كانت مبررة في مراحل معينة من عمر الصراع".
وآخر أسئلتنا للإعلامية "نور الهدى مراد"، حول السيدة على الشاشة، كقارئة ومقدمة، خاصة إن كانت محجبة، كيف يراها المتلقي وهل ثمة معوقات تعاني منها، فرأت أن وجود السيدة على الشاشة، لم يعد حدثا هاما منذ زمن، لكن الانخراط في ملفات سياسية حساسة وخلافية أحيانا في الجو السوري المستقطب أصلا يجلب بعض الانتقادات.. وهذا أمر صحي فليس من صحفي يتفق عليه الجميع، ولابد أن يشعر الصحفي بمسيره في حقل أشواك حتى يبقي حافزه لتوخي المهنية صاحيا وموجودا.
وأضافت أن أكثر ما هو سلبي، ارتباط اسم المقدم ووجهه بشاشة المؤسسة، فتصبح خطواته على وسائل التواصل الاجتماعي محسوبة، وحتى ظهوره في المجال العام حذرا..
عدنان عبد الرزاق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية