بداية القول صفعة، لا أعتقد أقسى من مشهد طفل تُرّك غصباً حقه بالتعليم، ليطوف الشوارع يرتجف بشتاءات المخيمات والشتات واللجوء، يطلب مساعدة ليأكل "عمو والله جوعان..أعطني ثمن سندويشة".
ليس من رقم دقيق لعدد الأطفال المقتولين بسورية، منذ حرب نظام الأسد على الثورة عام 2011 حتى اليوم، إذ تشير بعض الجهات إلى سبعة آلاف وبعضها الآخر يقول عن نيف وعشرين ألف طفل قتيل، ليبقى الدم كما حقوق السوريين، قابلا للتقدير والخطأ بنسبة أكثر من الضعف.
بيد أن ثمة إحصائيات وكثيرة، تقدر لدرجة اليقين، عدد الأطفال الجوعى وعدد أطفال المخيمات..بل وحتى عدد الأطفال خارج صفوف المدارس، الذين يعيلون أسرهم، بعد مقتل أبيهم إصابته.
قبل أن نأتي على آخر إحصائية دولية شبه موثوقة، لفتنا قبل أيام، مشهد بسورية الأسد، قلما تراه بأي دولة، طبعاً إن جاز تمثيل مزرعة العصابة بدولة.
والمشهد الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يختصر بدقة، ذهنية حكومة الأسد والفارق بين التنظير والتطبيق، إذ زار ثلاثة وزراء وأمين فرع الحزب ومحافظ حلب ورئيس مجلس المدينة في زيارة ورشة تصنيع أحذية في أحد أحياء حلب للاطلاع على نشاط الصناعات المحلية وعودة الورش للعمل.
وجاءت الزيارة في أوقات الدوام الرسمي للمدارس، لكن طفلا دون العشر سنوات، ظهر في الصورة كأحد العاملين في الورشة، وكان من المفترض أن يكون على مقاعد الدراسة، لكن ذلك المشهد، لم يلفت أياً من مسؤولي الأسد، الذين صبوا جلّ اهتمامهم بالزيارة على الأحذية، وما يتناسب وتطلعاتهم.
من هذا المشهد الذي يتكرر، بمناطق الأسد والمعارضة، بل وأضعافه قسوة وإيلاماً، حتى ببلدان اللجوء، حيث دخل الأطفال السوريون جميع معتركات العمل والحياة، بما فيها، من ينأى الكبار بأنفسهم عن الخوض في غمارها. ننتقل إلى ما قالته هنرييتا فور، مديرة "يونيسيف" أخيراً، عن أن نحو 2 مليون طفل سوري هم اليوم خارج المدارس بسبب الخراب والدمار الذي تسببت به الحرب في سوريا.
ونتابع ما حذرت المسؤولة الأممية، حتى دون الوقوف على "الحرب في سوريا" والذي يحمل -توصيف المسؤولة- تعمية ومساواة بين القاتل والقتيل وصرف الاهتمام والنظر عن سبب ومسبب كل ما آلت إليه سوريا، وليس الأطفال فقط.
سواء ما قالته حول تدمير المدارس وافتقار ما تبقى منها، لأبسط الخدمات وشروط التعليم، أو للذي أشارته حول قدوم الشتاء وتحديات فصل البرد، بواقع سياسة التفقير والإذلال التي يعتمدها الأسد بالداخل، أو حالات التخلي المتعاظمة التي يتعرض لها السوريون وأطفالهم، ببلدان اللجوء والمخيمات.
إذاً، السوريون بالعموم والأطفال خاصة، آخر اهتمامات المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، ليس لأنهم ضنوا بالمساعدات وأوقفوا تمويل التعليم أو خفضوا قيمه فقط، أو لأنهم يسعون وراء كعكة خراب سوريا ويشعلون مزيداً من الحروب التي سينتج عنها آلاف من الأطفال النازحين والمحرومين، ليس للمدارس، بل ولأبسط شروط العيش الآدمي.
بل ولأنهم يؤثرون على إعادة إنتاج عصابة الأسد التي بدأت حربها على الثورة بقتل الأطفال، واستمرت عبر إماتتهم بالأسلحة الكيماوية...وهاهي تنهيها بزيارات لمحال الأحذية لتأمن مصير دريد لحام وأشباهه.
أين المعارضة بهذه الحالة وماذا تفعل لتحافظ على ما تبقى من طفولة وماء الوجوه.. ونحن على أبواب شتائين، الأول ينذر ببرد وسيول وجوع...وثاني يدلل على معارك جديدة شرق الفرات، قد تزيد تعميق الجراح وإيلامها..
ربما بسؤالي هروب من نظر كثيرين، إذ ثمة اجماع على موت الكيانات المعارضة وحق دفنها، لكننا نطالبها من المنطق ذاته الذي تعيد فيه تجديد انتخابها "كحكومة إنقاذ" أو تصريحات وجولات "كحكومة مؤقتة" أو تفويض وتأييد تركيا على محاربة الإرهاب والتطرف كائتلاف وطني لقوى الثورة والمعارضة، وإن لا يستطيعون إسعاف أطفال سوريا، على الأقل من البرد والجوع والتشرد، ويعيدونهم لمقاعد الدراسة، فعلى الأقل، (ياكلوا..) ويريحوا هؤلاء الأطفال من مزيد كوارث وتهجير وحرمان.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية