عرفت لونا الشبل، بعد تخطيط خارجي وبتوقيت حرج، كيف تحرق بشار الأسد، بإطلالتها التلفزيونية الأولى والأخيرة، حتى بعيون حاضنته الضيقة. فأعطت الأدلة والإجابات، لكل هواجس أنصار الأسد، حول غربته واستيلابه، والأوجع، عن ترك هؤلاء المغيبين لمصائرهم بعد كل ما قدموه من تضحيات وخطايا بحق أبناء بلدهم.
هامش لا بد منه للانطلاقة، قلما يعرف سوريون، مسيرة الحسناء المستشارة، من نشأتها فتلميعها بالتلفزيون السوري إلى وصولها لقناة الجزيرة، وربما يردد سوريون، معلومات خاطئة أريد لها الانتشار، خاصة ما يقال إن لونا الشبل تركت الجزيرة اعتراضاً على سياسة المحطة القطرية ضد سوريا مطلع الثورة، لأن الشبل كانت مع انطلاقة الربيع العربي بلندن، ومن ثم جاءت إلى بيروت، وربما يذكر كثيرون كيف كانت بفريق سامي كليب "طليقها السابق" ضمن التحضير لإطلاق محطة تلفزيونية، أو بصيغة أدق، الإعداد للفريق الذي سيقود سوريا، أو يساهم على الأقل، بما هي فيه وعليه.
تعمّدت من هذا الاستهلال والهامش، سحب نقاط ارتكاز ثلاث.
الأولى موقع بشار الأسد ضمن خارطة القرار السوري، والثانية دور لونا الشبل ومعها أسماء الأسد، والثالثة والأخطر، الخطط البريطانية القديمة بسوريا، منذ الأب، حافظ الأسد حتى تلمذة أركان النظام الحالي.
لنبدأ، تخميناً وتحليلاً، من النقطة الأولى.
هل بشار الأسد فعلاً يحكم سوريا، وهنا لا نقصد شمال شرق المحكوم "ذاتياً" من إدارة ودول غربية ورعاية ووصاية أمريكية، ولا من شمال غرب "المحرر" والمحكوم وإن رعاية من تركيا، بل ولا حتى "سوريا المفيدة "الموزعة بحكمها بين إيران وروسيا.
بل نقصد، القرارات المتخذة بالعسكرة أو حتى المراسيم المذيلة باسم الوريث المتعلقة بالواقع المؤسسي والمعيشي.
إذ إن كل ما يجري، من أحداث مدعمّة بغربة الأسد عن الواقع، خلال كلماته وأحاديثه، تدلل أن الرئيس الأبله، لا يعرف بدقة ما يحدث، بل يؤثر التعاطي بالعام والتنظيري المثالي، وإن يؤثر من يحركه ويصمم على إبقائه واجهة، أن يسوّق أنه القائد العالم بأدق التفاصيل ويستقي بعض معلوماته من الشعب خلال جولاته "السينمائية" خاصة خلال الآونة الأخيرة.
ولعلّ باتخاذ كل ما هو في غير صالح السوريين، من مراسيم وقرارات وحتى تحريض خلال الكلمات والخطابات، بما فيها التدميرية وتعميق التصدع عمودياً، مذ مطلع حلم السوريين عام 2011 حتى تناوله الشاورما بعد عرض سينمائي سخيف، إنما يدلل على قرارات خارجية مرسومة لهذا البلد، يؤديها "الكركوز" كرمى بقائه رئيساً يشبع عقده ويعالج بعض أمراضه المعروفة لكثير من السوريين، مذ كان بمدرسة اللاييك مروراً بعقدة الرجل الثاني أمام أخيه باسل وصولاً لهاجس الفزلوك العالم بكل شيء.
وأما النقطة الثانية، وهي لونا الشبل بعد أسماء الأسد وعبد الله الدردري، والتي نرمي من خلالها، دمجاً مع النقطة الثالثة، دور "بريطانيا العظمى" بهذا الوتد الذي زرعته، إلى جانب الوتدين، الأردني والسعودي، بمنطقة تؤثر التحكم بها ولو تقدمت إعلامياً وعسكرياً، واشنطن حيناً وموسكو بعض الأحايين، كلاعبيّن وراسميّ لسياسة الشرق الأوسط.
فبريطانيا، حول سوريا فقط ونترك للمملكتين، الأردنية والسعودية نقاشاً آخر، آثرت زرع الأسد مذ رحلة الأب "المؤسس" بذريعة العلاج عام 1965 وما تلاها من تقديم شروط الاتفاق على الحكم، من تسليم القنيطرة وما بعدها.
فمن يتمعّن بهوية العابثين بحاضر سوريا أمس واليوم، يرى أن ما يسمى التحوّل نحو اقتصاد السوق الذي جاء كأول صعفة أخلت بالبنية الاقتصادية والاجتماعية، إنما جاء على يد المستشار ورئيس هيئة تخطيط الدولة ومن ثم النائب الاقتصادي، عبد الله الدردري المنحدر من بريطانيا بعد دراسته علوم الاقتصاد بجامعة "ريتشموند" وعمله بصحيفة الحياة.
لكن تأزّم الوضع السوري، جراء الاختلاط والجغرافيا، ما بعد حافظ الأسد خاصة، فرضت على بريطانيا الاعداد لجيل آخر، يكون من الاستلاب وربما البلاهة، ما يسهّل تنفيذ أي مخطط تدميري عبر فخ التوريط، فكان اختيار بشار، أو دعم الاختيار مذ جلسة مادلين أولبرايت المغلقة خلال دفن الأب الأسد، والدعم عبر "رأس الحربة" أسماء، فتاة بريطانيا المدللة، لتأتي تتمة التنفيذ، عبر المستشارة الشقراء.
قصارى القول: يمكن اعتبار خروج لونا الشبل على قناة "الإخبارية السورية" مقتلاً لبشار الأسد عبر خطوتين.
الأولى تلاشيه أمام من بقيّ من أنصار وواهمين ومغيبين، عبر تعميق تفاهته وغربته عن معاناة السوريين وتسويقه كنجم سينمائي يجيد التعامل مع الكاميرات، بعد ترميم الشكل وعمليات التجميل، خلال مسرحية القسم، وتوريطه برفع الأسعار وتأزيم معيشة السوريين، بعد كل ظهور ومناسبة، كبعد مسرحية الانتخابات وبعد رفع الأجور وبعد خطاب القسم.
والخطوة الثانية، القتل العملي والذي لم يعد مستبعداً، بواقع تعقيد الحالة السورية، ليكون بتصفية بشار، وهذا لا يعني نهاية النظام أو انفراج الحال السوري، حلاً للثأرية التي تعمقت بعد مقتل أكثر من مليون سوري، ربما حصة الساحل وأنصار الأسد، نسبة وتناسب، أكثرهم.
وهنا، ثمة احتمالات عدة بعد القتل المتوقع، ربما أحدها، وإن كان مستغربا لكنه غير مستبعد، أن تقود أسماء عبر ابنها بالواجهة، مرحلة ما تبقى من تهديم، لنكون أمام "شجرة در" معاصرة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية