يبرز اسم الشقيقين "رامي" و"حافظ" مخلوف في وثائق بنما، بصفتهما الشخصيتين السوريتين اللتين غطتهما "وثائق بنما" المقدرة بنحو 11.5 مليون وثيقة سرية، تختص بقضية "إخفاء" جبال من الأموال وإدارتها عبر شبكة معقدة من الشركات الوهمية، بعيدا عن أعين الضرائب.
"رامي" الذي التصق به لقب "مستر 5%" وأخوه "حافظ" المشهور بتغوله حتى بين غيلان المخابرات، شكلا "ثنائيا" ملائما جدا لإدارة ثروات آل الأسد ومخلوف، التي هي في أساسها ثروات سوريا والسوريين.
"رامي" يضرب بسيف المال والأعمال، وحافظ يجلد بسوط المخابرات كل متمنع عن الذوبان في بحر شركات الأسد-مخلوف أو التبعية لها، وتأدية "الخوة" التي لم تكن تقل عن منح حصة 5%، ومن هنا جاء لقب "مستر 5%".
لم يعد هذا الكلام مجرد إنشاء بحت، أو اتهام "مسيس" ضد "شاب نشيط"، حسب ما يحلو لبشار الأسد أن يصف به ابن خاله ومالك مفاتيح ثرواته "رامي"، ففي وثائق بنما ما يحيل الحديث عن فساد رامي والنظام الذي وراء رامي إلى مايشبه الثرثرة.. فحين تحضر الوثائق يحين وقت الصمت حتى عن الكلام المباح.
*منع التبييض بممارسته
كلمة السر في وثائق بنما بالغة الخصوصية والضخامة، هي "موساك فونسيكا" شركة المحاماة الرائدة على مستوى العالم، والتي تلف أذرعها على كل قاراته ومعظم بلدانه تقريبا، باعتبارها شركة متخصصة في تقديم الاستشارات والخدمات الخاصة في عدة مجالات، وأولها –وياللمفارقة- الخدمات المتعلقة بمنع "غسل الأموال" كما تقول الشركة عن نفسها في التعريف الرسمي الذي عاينته "زمان الوصل" على موقع الشركة الرسمي.
ولكن الوثائق تقول إن "موساك فونسيكا" هي رمز من أهم رموز المساعدة على "غسل الأموال"، بل هي مقصد ورجاء كل متمول يهدف لتبييض أمواله وإخفاء مصدرها الحقيقي، عبر تشغيلها في شبكة شركات وهمية، تشبه ما يعرفه السوريون بـ"القط الخشبي" الذي يصطاد ولا يأكل، أي الشركة التي تستخدم غطاء لجني الأرباح المشبوهة وغير المشبوهة، ولا تدفع منها إلا شيئا يسيرا، وربما لاتدفع منها شيئا للضرائب.
* ضمير السوريين السبّاق
لم يكن جل السوريين يعرفون في 2011، اسم "موساك فونسيكا"، ولكنهم هتفوا مع ذلك ضد "رامي" واختاروا أن يصفوه بـ"الحرامي"، بل إن هتافات "الإسقاط" الأولى كانت ضد هذا الشخص بالذات، حتى قبل بشار الأسد.
واليوم تبدو تسريبات بنما، ووثائق "موساك فونسيكا" خير دليل، على أن حدس الشعوب لا يخطئ وأن السوريين عرفوا طريق الحقيقة بفطرتهم، قبل أن تكشف لهم جبال الوثائق عن معالمه.
في أيار/مايو 2011، أدرج الاتحاد الأوروبي "رامي مخلوف" على قائمة عقوباته، وبعدها بنحو شهر خرج "رامي" ليصرح بأنه غادر ميدان المال والأعمال، وتحول إلى النشاط في المجال "الخيري".
ولكن إحدى وثائق بنما الخاصة بآل مخلوف، تكشف عن أن تصريحات "رامي" لم تكن سوى ادعاء باهت، من شخص يعرف السوريون شراهته للمال والاستحواذ على الأملاك والشركات والمؤسسات بكل الوسائل المتاحة.
توضح الوثيقة المرفقة أن "موساك فونسيكا"، وجهت في 20 تشرين الأول/أكتوبر خطابا إلى "حافظ" شقيق "رامي" وشريكه في عدد من الكيانات التجارية، تعمله فيه أنها منحته مهلة 3 أشهر ليشطب قيده كعميل مسجل لدى شركة "موساك فونسيكا".
ووجهت "موساك فونسيكا" هذا الخطاب خوفا من أن تصاب ولو برذاذ العقوبات التي كانت تطوق آل مخلوف، ومع ذلك فإن الشركة الاستشارية لم تنس الخبز والملح الذي بينها وبين عائلة مخلوف، فزودت "حافظ" بقائمة أسماء شركات "تسجيل" في إحدى جزر التهرب الضريبي المعروفة حول العالم، وهي جزر "فيرجين" البريطانية.
ويوضح هذا التصرف من "موساك فونسيكا" مدى حرصها على إرضاء عملائها الأثرياء، ليكملوا متابعة تبييض أموالهم بلا عناء، كما يطرح تساؤلا عن مدى جدية شطب القيد الذي طالبت به في خطابها، ويثير الشكوك حول أن يكون هذا الشطب مجرد إجراء صوري، حيث يسجل "حافظ" شركاته لدى مؤسسة محاماة أخرى، ربما تكون إحدى الشركات التابعة والمملوكة لـ"موساك فونسيكا"، المتخصصة أساسا في تقديم المشورة لإنشاء الشركات الوهمية!
*متاهة شركات
يعد تسجيل الشركات في "الجنان" الضريبية (حيث لاضرائب ولا رقابة)، من أشهر أدوات آل الأسد ووكلائهم (لاسيما آل مخلوف) لتبييض الأموال المنهوبة والمشبوهة، وتعد "موساك فونسيكا" من أهم وأشهر الشركات الخبيرة في هذا الشأن.
ويبدو أن أول دروس الفساد ونهب ثروات الأمم، هي أن يقوم المتمولون المتغولون من أمثال بشار الأسد وحافظ ورامي مخلوف، بحفظ خريطة "الجنان" الضريبية كما يحفظون بواطن أكفهم، حيث تفك "ساموا" و"فرجين" و"سيشل" و"سويسرا" وغيرها طلاسم الكنوز المرصودة والأموال المفقودة.
يحتوي ملف وثائق بنما مستندات تقارب 11.5 مليون مستند، تخص شركة "موساك فونسيكا"، التي تقدّم خدماتها لنخبة مشاهير وأثرياء العالم، ومن بينهم 72 من قادة دول العالم (حاليون وسابقون).
ويلجا الأثرياء والقادة إلى الشركة التي يناهز عمرها 40 عاما، طلبا لمساعدتها في إخفاء أموالهم بعيدا عن الضرائب ومؤسسات الرقابة، المعنية بالبحث عن مصادر تلك الأموال ومدى شرعيتها.
ومن منطلق خبرتها الواسعة في الاحتيال على القوانين ولي أعناقها، تتولى "موساك فونسيكا" بحرفية عالية مهمة إخفاء ما لايحصى من الأموال، والتمويه على مداخلها ومخارجها، عبر ضخها في شبكة من الشركات الخارجية وبأسماء لا تمثل الملاك الأصليين.
ويقدر عدد الشركات المنضوية في هذه الشبكة الوهمية بحوالي 200 ألف شركة؛ ما يجعل عملية تعقب مصير تلك الأموال عملية بالغة التعقيد تشبه المستحيل.
تولى عملية تدقيق هذا الكم الهائل من الوثائق "الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية"، مستفيجا من خبرات مئات الصحافيين المتعاونين معه حول العالم.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية