مثل كل البضائع الصينية المعربة، يبدو أن الناشطين السوريين على الفيسبوك وجدوا معادلا صينيا لثورتهم، فاخترعوا صفحة بعنوان "الثورة الصينية ضد طاغية الصين". هناك حيث يمكن العثور على "معادل صيني" لكل فكرة أو مدينة أو حتى محلل سياسي رسمي، على طريقة مسلسلات الفانتازيا التاريخية التي اشتهرت بها الدراما السورية.
وعلى الرغم من مشهد الدم الذي أصبح طاغيا على حركة الاحتجاجات في سوريا، إلا أن السوريين استطاعوا أن يبتكروا فكاهتهم الخاصة. من أبرزها هذه الصفحة التي بلغ عدد المشتركين فيها نحو خمسة آلاف مشترك.
واللافت أن إدارة الصفحة نفسها تقدم تبريرا لما تسميه "الكوميديا السوداء"، بعد أن وصلها "عتبا من بعض الإخوة عن كيفية قدرتنا الاستمرار بالكوميديا السوداء، على الرغم مما يعانيه أهلنا من قتل واعتقال"، بحسب ما ورد على الصفحة.
فتوضح "لا وقت لدينا الآن للبكاء. البكاء يكون عندما لا نستطيع أن نصل إلى ما مات عليه أحباؤنا، هم ماتوا لكي نصل إلى الحرية، والحرية لن تأتي من البكاء والحزن… بل من الصمود والاستمرار بروح معنوية عالية".
وتضيف "وفي النهاية… نحن نواجه الظالم بابتسامة هي عليه اشد من طعنة الخنجر".
والطريف أن لكل حدث سوري حقيقي مقابل كوميدي على هذه الصفحة، تماما كما لو أنها النسخة الكوميدية للصفحات السورية الخاصة بالمحتجين السوريين.
الرموز الصينية تملأ الصفحة، من صورة البروفايل التي تحمل صورة للعلم الصيني عليه كلمات باللغة الصينية بالإضافة إلى صور متظاهرين بملامح صينية.
أما صور الشخصيات، والتماثيل أيضا، فهي كأسمائها محورة لتنسجم مع الملامح المميزة لأهل الصين، ولتنسجم مع أسماء الصينيين. فإذا أرادت الصفحة أن تسوق تعليقا على محلل سياسي رسمي تعمد أولا إلى تحوير ملامحه خصوصا الشاربين واللحية، كما تلبسه قبعة، في حين تجعله أحيانا يحمل مروحة هواء. وأحيانا تسبغ عليهم الألقاب كأن تقول مثلا عن نائب لبناني من أنصار النظام بأنه "نائب كوري شمالي".
ولا تسوق الصفحة أخبارا واقعية بالضرورة كهذا الخبر الذي يقول "ننشر لكم حصريا سبب تأخر هروب هوجينتاو إلى المملكة العربية السعودية. ويعود السبب إلى أن المهنة المدونة على الإقامة التي وصلت باسم هوجينتاو هي 'طاغية سابق'، في حين أن المهنة المدونة على جواز سفر هوجينتاو هي سفاح. ولم توافق سفارة المملكة في بكين على تسليم الإقامة لهوجينتاو حتى يغير مهنته وهذا ما يرفضه هوجينتاو رفضا قاطعا".
والطريف أيضا أن التعليقات التي تأتي على أخبار الصفحة تتضمن أيضا محاكاة لما يجري في الواقع، من أخذ ورد بين موالين ومعارضين مثل تعليق أحدهم "أيها العملاء أيها الخونة، لقد أصبحتم مكشوفين. اقرأوا خطة الأمير مياو ابن نياو التي كشفتها القناة الصينية الأولى".
وينال الإعلام الرسمي قسطا وافرا من التعليقات. فـ"الإخبارية الصينية" هنا هي كناية عن الإعلام الرسمي، وعلى لسانها تساق بطريقة تهكمية بعض التصريحات التي تنال من المتظاهرين وداعميهم مثل: "ما بثته القنوات الإعلامية المغرضة حول خروج الناس للتظاهر في ضاحية موي دان هو أمر عار عن الصحة. فالقصة هي أن الناس بعد أن خرجوا من معبد الشاو لي سمعوا نبأ قيام شركة أندومي بتصنيع نكهة جديدة. فاجتمعوا وقاموا بطقوس الشكر على هذه النعمة".
والخبر هنا يحاكي نفيا تلفزيونيا لتظاهرات وقعت في حي الميدان في دمشق، حين جرى وصف المتظاهرين بأنهم خرجوا لشكر الله على نعمة الأمطار.
أما ذروة التهكم من المحللين السياسيين الرسميين فتأتي في هذا الإعلان "يعلن التلفزيون الصيني عن حاجته لمحللين سياسيين (صينيين او كوريين). شروط الانتساب: سماكة جلد لا تقل عن 25 سنتم. ثقل دم من عيار الرصاص او الزئبق. شخصية زئبقية قادرة على التملص من أي سؤال منطقي. ان تكون حنجرته من أجود انواع الأبواق. ان لا يتعب او يصيبه الملل من التطبيل او التزمير. ان يحب الزعيم هوجينتاو حبا يعميه عن رؤية أي شيء آخر. ان يكون مصابا بالحول السياسي. الوظيفة الاولى ستمنح لمن يثبت انه بدون دم أو أخلاق".
وينال الفنانون نصيبهم من الأخبار والتعليقات ومن أبرزهم الفنان دريد لحام واسمه الصيني هو دو ري دو لام وعنه ينقل تصريح يقول "ليس من مهمة الجيش الشعبي الصيني حماية حدود الصين أو استرجاع الجزر المحتلة، بل مهمته قمع أي تحرك يهدد أمن واستقرار النظام أو أي خطر يمس العظيم هو جينتاو. ومهمته الثانوية عند عدم وجود اضطرابات في البلاد هو حماية الحدود مع اليابان والحفاظ على استقرار جزيرة سوكان المباعة لليابان".
ولا يفوت الصفحة التعليق على أحداث الثورات المجاورة كأن تقول "أفادت مصادرنا الخاصة في ولاية يمنستان أن الزعيم اليمنستاني 'آلي سا ليه' وبمساعدة مجلس التعاون اليمنستاني قاموا بخطة بوليسية لإخراج هذا الطاغية من الولاية دون أن تتم محاكمته في معابد البلاد، تحت ادعاء أنه تعرض لتسمم غذائي يستوجب العلاج في السعودية، وفي جدة بالتحديد بجانب زميله السابق 'زيناو بين آلي' المقيم هناك منذ فترة".
ومن لوازم 'صفحة الثورة الصينية' التهكمية إبراز الفارق الهائل في عدد السكان كما يظهر في خبر يقول "خروج مظاهرة صغيرة تقدر ب 200 مليون متظاهر من معبد سيدي هولاكو، وقد اعتقلت السلطات الصينية الناشط الصيني لوا جيون وذلك بسبب تناوله الاندومي بالملعقة… واتهمته بإضعاف هيبة الدولة والمساس بالشعور القومي".
إلى ذلك، تسوق أشهر هتافات الشعب الصيني الثائر "ع التيبت بالقطار.. رايحين شي مليار"، محاكاة للهتاف الأثير لدى المحتجين "عالجنة رايحين، شهداء بالملايين".
لكن أغرب ما تورده الصفحة هو بعض الأخبار الحقيقية التي تخص معارضين صينيين، كما لو أنهم ينتظرون بالفعل ثورة.. تقوم هناك.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية