أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تحقيق النصوص ... ليلى بوتبغة

لا يمكن أن نتخيل نصا معزولا عن القراءة ،ذلك أن تحقق النص ماديا لا يتم إلا عن طريق إعطاء معنى له لا نصل إليه إلا بقوله جهرا سواء كانت قراءة إنسان عادي يقصد منها الإفادة او الاستمتاع (لذة النص)،أو قراءة ناقد متخصص يريد بها تأسيس رؤية معينة للنص و أفكاره و لغته و بالتالي إبداع نص أو نصوص أخرى.و يمكن أن ندخل في هذا الإطار ما يسمى بتحقيق النصوص الثراتية باعتبارها قراءة على قراءه محددة لموضوع معين طالما أن الغرض منها هو تصحيح النص و مراجعته و محاولة كتابته بالشكل الذي كتبه به صاحبه أي كاتبه الأصلي(مع الإشارة إلى أن نظرية وجود النص الأول تطرح مجموعة من الإشكالات لا سيما أن أي تعريف للنص يقودونا إلى القول إنه نسيج أو فسيفساء من النصوص).
وبالتالي يمكن أن نستنتج أن كل تحقيق لنص ما هوإلا نص جديد يستدعي قراءة ما،هكذا يتبين أننا نريد أن نناقش تحقيق النصوص من وجهة نظر إشكالية لا أطروحية:هل يمكن اعتبار تحقيق النصوص نوعا من الميتا النص؟ هل تحقيق النص عملية منغلقة على نفسها أم أنها تنفتح على مباحث معرفية كالفيلولوجيا و النقد(التفكيكية)؟هل من الممكن أن يساعدنا هذا في الإجابة عن السؤال القديم و العميق هل كان للعرب نظرية معرفية(لغوية أدبية نقدية)؟



تحقيق النصوص و الميتا نص:
لا يمكن أن نكتب نصا ما إلا وفق قصدية معينة"يولد النص بقرار خاص"*.
تحقيق النصوص إذن يتم انطلاقا من قصد معين غالبا ما يكون هو تصحيح الأخطاء التي يمكن أن تكون قد ارتكبت أثناء نقل النص الأصلي و محاولة صياغته في قالب يكون أكثر اقترابا من النسخة الأولى ،و يتم هذا الأمر في عملية التفكير في تفكير المؤلف نفسه.أليست هذه الصياغة إبداعا خاصا أو لنقل نه إبداع ثان استند على إبداع أول فبني رؤية مغايرة أولم يقل تودوروف "أن نصين ما لا يمكن أن يتطابقا أبدا"*.ذلك أن كل تفكير في تفكير آخر يستحيل أن ينتج النتائج نفسها حتى و إن التقيا في بعضها،إن محقق النص و هو يقوم بعملية التصحيح و إكمال الجمل الناقصة أحيانا قد ينتج نصوصا أخرى طالما أن المعاني قد تختلف بالنظر أيضا إلى اختلاف المحققين,وفقا لهذه المعطيات ألا نتصور تحقيق نص ما ميتا نص أو ما نسميه نصا فوق نص ، ويخصصه طه عبد الرحمان بما يطلق عليه النظر الفوقاني؟
الميتا نص هو في بنيته إبداع و "و ما الإبداع الفني غير امتلاك القدرة على بناء عالم"*، ومن ثمة يكون تحقيق النصوص أكبر من عملية تقنية انه إبداع نصي قادر أن يخلق نصوصا أخرى انطلاقا من دروب التأويل و سيروراته.
تحقيق النصوص و المباحث المعرفية الأخرى:
إذا كان تحقيق النصوص يعتمد على نصوص قديمة أو ثراتية فان له بعدا تاريخيا،لأنه يعود إلى الوراء بعين حاضرة آنية .هذا البعد التاريخي يسمح لنا بأن نقول إن تحقيق النصوص جزء من الدراسات التاريخية.يحيلنا هذا مباشرة إلى الدراسات الفيلولوجية في القرن التاسع عشر أو ما يسمى عند العرب بفقه اللغة التي كانت تسعى إلى البحث في النصوص الدينية خاصة و النصوص القديمة عامة من مخطوطات و غيرها .هذا البحث كان موجها إلى البحث عن النص الأول أو النص الأصلي بغرض فهم ثقافة و فكر المرحلة التي أنتج فيها.
إن التأمل في هذه المعطيات يذهب بنا إلى الاستنتاج أن هناك تداخلا بين مبحث تحقيق النصوص و الفيلولوجيا من حيث البحث عن النص الأول (وان كنا نقولها بتحفظ،النص نسيج من الأصوات القادمة من هنا و هناك).فنكون بذلك قد فتحنا أمام تحقيق النصوص منافذ أخرى لإثراء مناهجها و آلياتها في إطار مل يسمى في اللسانيات الحديثة بالبيتخصصية أي تداخل المباحث المعرفية المتعددة و التقائها في مواضيع الدراسة أحيانا و في المناهج أحيانا أخر.
من جهة أخرى فان تحقيق النصوص يفتح نفسه على أحدث مباحث النقد و نقصد بذلك التفكيكية كما أسس لها دريدا ،التي تقول بعدم وجود نص واحد ، فالنصوص تتوالد او لنقل تتناسل لتولد شبكة من النصوص المتداخلة البنيات.هكذا فان كل تحقيق لنص ما هوالا قراءة من وجهة نظر معينة و بالتالي نص جديد يخلق و ينمو و يتكاثر .فالنص كائن حي يبقي على حياته أو حيواته بقراءاته المستمرة قال نيتشه مرة "الكتاب الذي كاد أن يصير إنسانا".إن إيمان التفكيكية بلا نهائية المعنى يعطي الإمكانية لتحقيق النصوص باعتبارها نصوصا موازية لإيجاد معنى بل معان تتوالى بلا ضفة ، ومن ثمة فان ذلك يساعد في اغناء النصوص من جهة و ابقائها حية من جهة أخرى فلا يتم وأدها بقراءة ذات معنى واحد.
تحقيق النصوص عود على بدء:
العودة إلى الوراء أساسية ، فهي رجوع إلى الثرات باعتباره أصلا قد يشكل عمادا لثقافة ما.كلما عدنا إلى الثرات و اقتربنا منه كلما سنحت لنا الفرصة للتعرف على آليات تفكير أسلافنا و تمكنا من البحث عن أثار نظرية عربية ضائعة .إن تحقيق النصوص فرصة لإعادة قراءة النصوص و تفكيك بنياتها و التعرف على آليات اشتغالها سواء كانت نصوصا لغوية أو أدبية أو نقدية .و هي أيضا محاولة للإجابة على الإشكالية التي تخلق توترا في الأوساط الثقافية العربية هل كان للعرب نظرية معرفية؟
هكذا، فقد كان هذا العرض محاولة لإخراج تحقيق النصوص من السياقات المعتادة التي يرد فيها و بالتالي الدعوة إلى إعادة النظر في مناهجه بالنظر إلى أهدافه و غاياته.إن أي تحقيق النص هو كتابة نص يضاف إلى رصيد الذاكرة الثقافية العربية.



استاذة مبرزة للعربية

(125)    هل أعجبتك المقالة (108)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي