خيّب بشار الأسد، خلال كلمة مصورة وجهها للسوريين، بعد "فوزه" بولاية وراثية رابعة، كل المتوقعين خطابا تصالحيا جامعا، بل أوغل الأسد بتقسيم الشعب عموديا ووضع، ربما، آخر لمسات التمزيق وسوريا المفيدة، بعد أن صنّف السوريين، إلى "خائن ووطني" والوطني طبعا، هو فقط من يدبك ويركع له.
وفرز الشعب بين "ثوار وثيران" تاركا لنفسه والراقصين منذ أسبوع، صفة الثوار، ولكل من لا ينتخبه، أو ثار كرمى الديمقراطية، الوصف الآخر، مضافا له الخيانة والتجريد من سوريا.
وحاول خلال كلمة لم تزد عن عشر دقائق، شتم خلالها كل من يخالفه لأكثر من عشرين مرة، تكريس المشكلة التي دفعت السوريين ليثوروا، لم تزل قائمة..
وهي الخلط بينه وبين الوطن.
فيا وريث الحكم عن أبيك، ثمة فارق وشاسع بين الوطن، وشخصنة الوطن واختصاره بشخص أو أسرة أو عصابة.
من نعتهم بالخونة، حاولوا ، وكل على طريقته وإمكاناته، لنقل سوريا الأسد إلى سورية، نقلها من مزرعة ومن فيها رعايا وعبيد ومطايا، إلى دولة ومواطنين، يتساوى الجميع فيها، حقوقا وواجبات أمام القانون.
أغلب الظن، أن هذا الخطاب التحريضي الإقصائي التعبوي، سينطلي على كثير من البسطاء والمغيبين ويرحب به الطائفيون والمنتفعون.
الأول، يمكن لسوريا أن تبقى ولا تفنى ولا يغتصبها الطامعون، إن حكمها أي سوري من خارج هذه الأسرة المرتبطة والخائنة لسوريا وشعبها.
ولكم أن تعودوا بالذاكرة لآلاف الأدلة والحوادث، لتعرفوا من الخائن الذي لا يربطه بالوطن، إلا قوائم كرسي الحكم.
فإن لم نقلب بدفاتر قديمة ونذكر بالأسد الأب منذ بريطانيا 1965وتسليم القنيطرة 1967والانقلاب على أصدقائه ومعلمه 1970 ولا الإبادة بالسجون ومجازر حماة وجسر الشغور والقمع والتخلف وإذلال الشعب..وهكذا حتى عام 2000 وتعديل الدستور لتوريث قاصر.
إن قفزنا على كل تلك المحطات المهمة، لنسأل عن أمس والثورة التي تفصحن بها حبيب أمه اليوم "ثوار وثيران" ألم يعترف هو ذاته ومن على مدرج جامعة دمشق، أنها ثورة سلمية خلال أول ستة أشهر؟
ألم يفرج عن المتطرفين ويعتقل أو يقتل السلميين، ليلوث الثورة ويحرفها؟
ألم يسلم شمال شرق سوريا لمنظمة بي كا كا الإرهابية؟
ألم يأمر ويشرف ويرعى، بمجازر بدأت بالبيضا ببانياس فالحولة والغوطتين وحمص وووووحتى قتل 1300 بسلاح كيماوي وقصف الشعب بالبراميل؟
ألم ينسحب من الأرياف، بناء على المقترح الإيراني، ويحافظ على مراكز المدن، لغاية تدميرية، بعد أن قال له الفرس افعل كذا لتهديم الثورة، ستتهدم سوريا لكنك ستبقى رئيسا؟
ألم يكن قاسم سليماني بدمشق حين اندلاع الثورة ويتدخل لإخمادها منذ ذاك؟
من طلب من الفرس وحزب الله ليتدخلا، لينبشا الأحقاد ويقتلا السوريين وتطلعاتهم؟
من استقدم لاحقا الروس، ليبيعهم ويؤجر، الأراضي والثروات والمقدرات، وفقط، كرمى كرسي الوراثة؟
من ومن ومن وصولا للتجويع والاعتقال والإذلال وفنون الطوابير، من دون أن تتوقف السرقات وزيادة الأرصدة والاستبداد، حتى وصلت لتفتت الكتلة الصلبة التي أورثها الوارث، وإلى الطوق الأول، مخلوف؟
يا أيها الوريث الذي أيقن السوريون، كل السوريين، أنك كائن مريض لدرجة العدوانية، وعرفوا بالأدلة عبر عشر سنوات، أن همك الوحيد البقاء بالحكم والهروب من المحاسبة وكشف حقبة الوالد ومن ولد.
لن يمر كلامك المدهون بوهم الوطنية على أي عاقل، وإن أثر لبضع دقائق لأنه تغلف بالوطنية والشعارات وأضاليل عرتها سنوات الثورة وعلاقتكم مع أعداء الوطن والشعب وذلكم المتكرر أمام إسرائيل.
وأما الأمر الثاني قبل أن أنساه، بعد استطرادي بالأول فهو حق السوريين أن يعيشوا، بعيدا عن الأوهام والشعارات وارتباطاتكم، من حقهم أن يتمتعوا بالحرية بعيدا عن سطوة 17 فرعا أمنيا، وبالكرامة بعيدا عن مخاوف الفصل والسجن والجوع، من حقهم أن يتمتعوا بخدمات وعيش كريم ورفاهية، من حقهم أن يحلموا بالدراسة والسفر والتمتع وحتى بتبوؤ منصب رئيس الدولة..
أما أن تعيد حكاية التصدي والمقاومة، بعد أن استجلبت للحفاظ على الكرسي، أربعة محتلين وشذاذ آفاق العالم ومتطرفيه، فهذا مالا أظنه سينطلي على السوريين.. لأن ثوب الوطنية والتوازن الذي لبسته اليوم، مقلوبا، زاد من تعرية الكذب والأحقاد ولم يجمله وجهك النضر بعد الحقن والتجميل.
*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية