لم يعد الروس لاعبا دوليا في التفاصيل السورية، رغم أنهم يبدون كذلك وهو صحيح على المستوى الدولي، وهم يجدون أنفسهم شيئا فشيئا بين مربعات "الروبيك" على المستوى الداخلي، بنما يحاولون الإمساك بالمكعب الكبير وتدوير زواياه للوصول إلى الحلّ.
خلال الأيام القليلة وردت معلومات رسمية من موسكو عن لقاء في الدوحة جمع الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف مع معاذ الخطيب الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض، وهذا المرة تقول الخارجية الروسية بنفسها إنه جرى بحث العملية السياسية في إطار القرار الدولي 2254، وليس وفق أية مرجعيات أخرى مثل أستانة.
يترافق هذا الحدث مع تسريبات مضمون لقاء وفد الشخصيات العلوية وسكرتير البعثة الروسية الدائمة إلى الأمم المتحدة في جنيف منتصف حزيران ـ يونيو، وهو اللقاء الذي خرج مضمونه بنسختين الأولى روسية والثانية للوفد الذي صحح محضر اللقاء، الأمر الذي يفسر ارتباكا روسيا حتى مع مجموعة المعارضة من العلويين، وفيه إفصاح من الروس عن استيعابهم بأن المؤسسات التي يحرصون على بقائها مع "انخفاض القبول الشعبي بتلك المؤسسات بسبب الفساد".
في الداخل الذي يسيطر عليه النظام أو قوى محلية وفق تفاهمات مع روسيا، جرت لقاءات مع تجمعات للمسيحيين والأكراد، وفي البادية جرى إرسال الجنرال "أليكس سليمين" للإشراف عسكريا على المنطقة، فيما لم يحدد بعد اسم الشخصية التي تم إرسالها إلى السويداء.
يحاول الروس الإمساك بالأرض في سباق مع الزمن دون الإفصاح عن الأسباب الحقيقة، سوى ما يمكن قراءته عبر التنافس مع الإيرانيين من جهة، ومحاولة كسب الشارع لمصلحة استحقاق مطلوب تنفيذه بالسرعة القصوى.
ولا يبدو الروس بعد قادرين على التحرك بثقة فوق حمم المنطقة الجنوبية الملتهبة بأحداث واحتكاكات عسكرية بين الفيلق الخامس وحواجز مخابرات النظام، وعلى رمال البادية المتحركة والمتداخلة مع النفوذ الإيراني نحو البوكمال.
إذن..الروس غير متأكدين من سلامة خطوة واحدة كبيرة نحو التغيير من الرأس، لذلك فهم يستخدمون أسلوب التدرج، وهذا ما قد يجرهم إلى تفاصيل معقدة في بلد تتقاطع فيه مصالح قوى إقليمية، وطموحات ذات طابع قومي، ومخاوف وعدم ثقة ذات طابع مذهبي، وتلك التركيبة التي صنعتها سنوات الحرب التسعة لا يمكن برمجتها بإرادة طرف واحد، وتحتاج في ذات الوقت إلى نوعين من الجهد، الأول إقصاء قوى فاعلة مثل إيران والميليشيا التابعة لها والفرقة الرابعة، والثاني بناء تحالف عربي ـ غربي يكون مقبولا من جميع الأطراف، ويضغط باتجاه تسوية سياسية، وكلا هذين المطلبين غير متحقق وفق منهجية تفكير الروس، وعكس ذلك، ووفقا لسياسات موسكو القائمة فإن الخيارات ستذهب باتجاه التقسيم، وشيئا فشيئا ستتحول روسيا إلى طرف من مجموعة أطراف في "ستاتيكو" يقود إلى مواجهة بين الجميع، أو خروج الجميع.
خلال فترة ليست بعيدة، وإذا لم تتمكن روسيا من إيجاد حلّ لمشكلة بشار الأسد، فستكون جميع القوى العسكرية المتحالفة معها هدفا، وستتم الاستفادة من تراكم حالة الاستياء السائدة، وتتصاعد احتمالات إعادة اللاعب "الليبيرو"، وهو "تنظيم الدولة" (داعش)، وهذا ليس صعبا على الإيرانيين وغيرهم، وحدث ذلك سابقا في العراق عندما شكل الأمريكيون ما يسمى بـ "الصحوات" لتصبح هدفا لتنظيم "القاعدة"، وإيران حاضرة لمثل هذا الدور بالنظر إلى خبرتها الطويلة في رعاية الجماعات المتطرفة عبر أجهزة المخابرات.
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية