فجأة اشتعلت حرب التشكيلات عند المعارضة السياسية، يقابلها حرب تغييرات في فريق الأسد، ولا فارق في وضع الطرفين دون أن نساوي بينهما، فالمعارضة تحاول بناء قاعدة شعبية من أعلى الهرم بعد أن فقد الناس أملهم بها، والنظام يتخيّل أن تبديل العبارات فقط يخدمه في إعادة إنتاج الثقة، وهو الذي يعلم أنه يدير جمهورية من الخوف.
ماذا يعني أن يقود الائتلاف نصر الحريري أو أنس العبدة أو واحد من الموجودين على لائحة هيئته السياسية أو العامة أو الرئاسية، والذين لا ثابت لعددهم ولا معلوم حتى لدى الأعضاء، وماذا يعني أن يكون بشار الأسد أو زوجته أو علي مملوك على كرسي الرئاسة.
ضمن التوليفتين العقيمتين لا يمكن أن تنتج البلاد حلّا، وباندماجهما الذي تخطط له بعض الجهات الدّولية سيكون لدينا رأس أسد على جسد ثور، وستكون اللوحة سوريالية لدرجة أن جميع السوريين الذي هجّروا وعددهم يفوق 13 مليوناً يعرفون أن العودة هي نسخة جديدة للهتاف بأرواحهم ودمهم أمام تمثال الحكم الجديد.
نقترب من عشرية كاملة لهذه المقتلة، ولا تزال الطبقة السياسية تفكّر بذات الطريقة، فهي تريد إنتاج شعب منافق من هذا الشعب الذي خرج حتّى على نفسه من شدّة اليأس، وإذ يتبدّل اليسار إلى يمين، والأعلى إلى أسفل في دوّامة تستنسخ ذات الوجوه، تبقى الرؤوس هي الرؤوس وتتبدّل الطرابيش.
سوريا اليوم عقدة كأداء حتى لمن يملك نفوذا فيها، وليس ثمة من يفكر في عقد سياسي واجتماعي جديد يعيد هذه البلاد لأهلها، فالمناورات تقوم وبرعاية دولية على ورقة دستورية ليست ورقة، فيما نسي العالم أن على الطّاولة نظام قتل مئات الآلاف بكلّ أنواع السلاح.
لا يعيب اللاعبون الدّوليون تركيبة النظام ولا يتطلّعون لمعارضة أكثر كفاءة، وكلّ ما في الأمر أن سوريا أضحت مثل سلحفاة انقلبت على ظهرها، ولا أحد يفكر بإعادتها.
هل يستطيع بعض السوريين أخذ المبادرة بأنفسهم وهم يتحدثون عن تشكيلات جديدة، وماذا فعلوا لكي لا ينتجوا أجساماً موازية لن تتقاطع مع ما تحتاجه البلاد، وكيف سيحصل هؤلاء على رخصة تمثيل لشعب تمثّله أكبر مأساة شهدها التاريخ المعاصر.
تلك الأسئلة السالفة تقود إلى احتمالين، الأول أن السوريين يائسون وسينتظرون معجزة أو حربا عالمية تفكك التحالفات الدوّلية بعد أن تجثو الإمبراطوريات على ركبها من جديد، كما حصل بعد الحربين العالميتين، والثاني أن على السوريين أن يقلبوا الصفحة بأيديهم، وهذا يستدعي استحقاقين كبيرين يستوجبان التضحية، ثورة مفاهيمية قيمية تطيح بكل التشكيلات السياسية وتقبل بتصالح لا يحمّل المجتمعات مسؤولية اصطفافها، واستحقاق آخر من مسؤولية البيئة التي احتضنت الأسد وباركت جرائمه إيماناً أو خوفاً، سواء كانت بيئة طائفية أو اقتصادية، وبدون ذلك فليس هناك مصلحة لا لروسيا ولا أمريكا ولا إسرائيل ولا تركيا ولا إيران ولا حتى غالبية العرب بالتغيير، فقد أصبحت معادلة المصالح في سوريا جزءا من الجدل السياسي الدّاخلي في تلك الدّول، كما أن المنظومة الدّولية باتت رهناً لصراع "الفيتوهات" بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة والغرب من الجهة الثانية.
ثمة سؤال جريء، هل كانت مشكلة السوريين هي رحيل الأسد أم رحيل منظومته أم كلاهما معاً، وما يحصل اليوم ينبّه إلى جوهر المشكلة السورية، ولعل هذا ما دفعني لتجنّب احتمال ثالث منتظر للتغيير، وهو احتمال خارج السياق، كأن ينتهي بشار الأسد مسموماً أو مقتولاً مع بقاء جمهورية الرعب، فثمة طغاة رحلوا وتركوا للشعوب طغيانهم، ولنا في ليبيا واليمن والعراق عبرة.
سؤال علمي.. كم من الوقت يمكن أن تصمد السلحفاة المنقلبة على ظهرها حتى تموت.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية