لن يسفر "مؤتمر اللاجئين السوريين" ولا كل مؤتمرات العالم حتى إن دعمها الأمريكي والأوروبي بعودة اللاجئين إلى سوريا، وإذا كان ثمة من سيعود فهي حالات تشبه عودة "السلمون الأحمر" للموت عند مصب نهر "آدامز" في كندا، وإن اختلفت أسباب العودة.
من الناحية المادية فإن كل أسباب العودة ليست متوفرة، وبخلاف فقدان غالبية اللاجئين لمساكنهم وأعمالهم وأسباب استقرارهم العملي، فإن الأسباب النفسية، ومنها الحنين و"نوستالجيا" المكان باتت هي الأخرى مدمّرة بفعل تغيرات جوهرية في "الديموغرافيا"، حيث تشرّدت الأسر في مختلف بقاع الأرض، ولم يعد حتى الجوّ الاجتماعي مماثلا لما كان عليه.
ثمة نوعان من اللاجئين ممن يجب تحديد معايير إمكانية عودتهم إلى سوريا، الأول هم لاجئو الدول الأوروبية، والثاني لاجئو دول الجوار السوري، كما أن هناك شريحتان بالمقابل، وهما شريحة الجيل الجديد الذي ولد قبيل وخلال وبعد فترة الحرب، وشريحة الأكبر سنّا من موظفين وفلاحين وطلاب جامعات وأكاديميين.
اللاجئون في أوروبا الدول الغربية اكتشفوا حياة جديدة، وهم يمارسون مستوى عاليا من الحرية، ويتمتعون بحقوق تماثل حقوق سكان تلك الدول الأصليين لجهة الطبابة والتعليم، لذلك فإن حساباتهم مختلفة حيال مسألة العودة، كما أن معظم هؤلاء ممن انخرطوا في التعليم أو العمل أو أنجبوا أصبحوا غير قادرين على الفكاك من الحياة الجديدة، ومعظمهم غير مستعدين لمغامرة العودة بصرف النظر عن نظريات حبّ الوطن والتضحية، فالمسألة مرتبطة بالمدارس والالتزامات المادية وأوضاع الأطفال.
وبالنسبة للاجئين في دول الجوار أو حتى الذين يعيشون في دول الخليج أو مصر، فهم غالباً ما سيقررون فيما إذا كانوا سيعودون تبعا لأوضاع كل دولة من الدول التي يعيشون فيها، ومستوى الضغط الذي يمكن أن يمارس عليهم في تلك الدول، باستثناء أولئك الذين يحصلون على الجنسية كما هو الحال في تركيا.
في استطلاع المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة عام 2018، وشمل مصر والعراق والأردن ولبنان، أفاد 85% من المستطلعة آراؤهم أنهم لا يخططون للعودة خلال 12 شهرا القادمة، فيما قال 11% إنهم لم يقرروا بعد، أي أن 96% من اللاجئين في دول الجوار لا يخططون عمليا للعودة، وبالنسبة للمتبقين وهم 4% تبين أن 91% منهم لديهم عائلات داخل سوريا، كما أنهم يعتبرون من الفئة الأضعف بين بقية المستطلعين.
بالمقارنة بين عامي 2018 تاريخ الاستطلاع و2020 فإن الصعوبات التي تحدث عنها اللاجئون كسبب لعدم عودتهم ازدادت، ومنها الدمار وانهيار الاقتصاد والقلق الأمني، وهذا مؤشر إلى أن أمل عودة اللاجئين في هذه الظروف أمر شبه مستحيل، وهو يحتاج لتغييرات جذرية ليس من المأمول أن تتحقق على المدى المنظور.
ربما يعتقد البعض أن الضغط الأمريكي لإفشال مؤتمر عودة اللاجئين يلعب دورا في منع عودتهم، إلا أن الحقيقة تكمن في أن المؤتمر في حال تلقى دعما دوليا غربيا كان حقق هدفين، الأول أن تتحوّل روسيا إلى جباية تدفقات أموال إعادة الإعمار، والثاني إعطاء إشارة لدول المنطقة ـ وخصوصا لبنان ـ بفرض سياسات ترحيل تعسفية، بحق مئات الآلاف أو الملايين، وهو ما سيتسبب بكارثة أكبر في ظل انهيار كامل في الاقتصاد وعدم وجود مأوى ومدارس وطبابة للمرحلين حتى داخل المدن والقرى التي خرجوا منها.
قبل نحو عامين التقيت واحدا من المعنيين بالملف السوري في المنظمة الدولية بجنيف، وكان الحديث خارج السياسة وداخلها، وعن الحلول والحوار والاحتمالات، وفي آخر الجلسة قلت له إن سوريا بلد مدمّر، وليست هناك قوّة سياسية أو دولية قادرة على إقناع الشعب السوري بالعودة إلى هذا البلد باستثناء احتمال واحد، وهو احتمال ربما يكون صادماً لك ويعطّل مهماتك ويحرمك منها، سألني الرجل وما هو؟، فأجبت اتركوا السياسة والدستور والمفاوضات فالحلّ هو مهمة واحدة مضمونها تحييد كلّ فرق الدبلوماسية وغرفها وإزاحة الأسد كشخص وبعدها يبدأ العمل.
عودة اللاجئين لدولة الأسد.. حلم روسيا المستحيل*
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية