هامش: يحكى أن رجلاً طيباً يحترق، فتعاطفت معه، حتى الضفادع، فبدأت تنقل الماء بفمها وتقذفها على النار. في حين كانت العقارب، تنقل أعواد القش وترميها على النار، ليوازي اشتعال الحريق نار حقدها، وتتشفّى بالرجل الطيب.
حقيقة الأمر، لم تزد عيدان العقارب النار اشتعالاً، كما لم تطفئ مياه الضفادع الحريق، ولكن ظهر العدو من الصديق.
منه، ظهرت أصوات سورية ومحسوبة على المعارضة، تحمّل المسؤولية بما يجري بإدلب وما سيجري، لأهل إدلب وسكانها، وتغلف حقدها بدهون التمويه، زاججة من هلل لتحرير إدلب ومن أيّد جبهة النصرة، ضمن معادلة النصح والنظرة الشمولية الوطنية، لتبدو كما العقارب، حقدا ولؤماً.
لماذا، لأن هؤلاء العقارب لم يأتوا على مصير ثلاثة مليون سوري بالذكر، بل ولم يذكروا، وإن تلميحاً، إجرام الأسد وروسيا وقصفهما للمدنيين العزّل.
وربما الأهم، أن سكان إدلب، أصليون كانوا أو نازحين، ذاقوا مرارة استبداد "حكام إدلب" على نحو مغاير لما سمعه أو استنتجته العقارب، بل ولم يكن لهم رأياً ولا حولاً، بأن يتحكم بهم، ماهو كما الأسد، إن لم نقل أكثر.
وأيضاً، لا أعتقد من الحكمة والإنسانية ولا الرجولة، أن تزور مريض سرطان رئة بمشفى، وهو يحتضر، وتحاضر به بمضار التدخين وأنك نصحته بالإقلاع، بل وأهديته كتاباً يبيّن آثار التبغ على جسم الإنسان.
فكلامك هنا أيها العقرب، وإن كان صحيحاً، إلا أنه ليس بمكانه ولا زمانه...وهو يظهر العقرب من الصديق، ولو بمواساة أو كلمة طيبة.
أول القول سؤال، هل إدلب وريفا حلب وحماة، مناطق محررة؟!.
بمعنى، هل خروج آلاف القرى والمدن والأرياف هناك، عن سيطرة نظام الأسد وشركائه، تعني أنها تخضع للمعارضة وإدراتها وإرادتها؟!
أم سوء المعاملة والتعامل والاستقواء، الذي يمارسه "حكام الأمر الواقع" هناك، على المدنيين المساكين، بقوة السلاح وسيف الأسلمة، دفع، حتى أكثر أعداء الأسد، للدعوة إلى الخلاص والتخليص من "كذبة التحرير" الكبرى.
ولكن، هل وجود متطرفين أو مسلحين بإدلب، يبرر القصف وإبادة ثلاثة ملايين سوري، تمت لملمتهم، وبرعاية أممية، من كافة المناطق الثائرة.
أم ثمة حلول أخرى، ربما أولها وأبسطها، إغلاق صنابير الدعم والرعاية، ليجنح "حكام إدلب" لما فيه مصلحة السوريين، ونشر الأمن والأمان، لتكون مناطق المحرر، أنموذجاً وقدوة، يتشهاها، حتى من هم في كنف النظام.
وربما آخر الحلول، دعوة قوات فصل أممية، تبسط الأمن على المناطق المحررة، وتمنح شعبها المدنية والحرية التي حلما بها، وبالآن نفسه، تبعدها عن سيناريو الإبادة الذي مارسه الأسد وروسيا، على الغوطة وحمص ودرعا ودرايا...
واقع الحال، يستكلب نظام الأسد وروسيا، ومنذ نحو أسبوع، على إعادة سيناريو الأرض المحروقة وتدمير البنى وقتل البشر، بإدعاء القضاء على "الإرهاب" تارة واستعادة ادلب إلى "حضن الأسد" تارة أخرى، قرأينا 112 ضربة على ريفي إدلب وحماة، قتلت وجرحت المئات.
وبالوقت ذاته، بدأت توسيع الاشتباك ليطاول المناطق الكردية ونقاط المراقبة التركية، والأرجح، أن يتطور لمعارك برية، تعزز ربما، من وجهة نظر من يرى، أن ثمة مقايضة أو صفقة ستتم، أو تمت بين أطراف أستانا، لتعيد الذاكرة بالسوريين، إلى معظم المناطق التي استرجعها نظام الأسد من الثوار والمعارضة.
ويستدل أنصار هذا الرأي، على صمت الجهات الضامنة لأستانا، وفق اتفاق سوتشي، الموقع في أيلول/سبتمبر الفائت، الذي يبقي منطقة خفض التصعيد في إدلب، رغم ما للصمت من تفسيرات ومخاطر وجود، على نيف وثلاثة ملايين سوري..
نهاية القول: أياً كانت الاتفاقات السرية أو الصفقات، أو ربما التخبط وتعدد المرجعيات والقوى والاستفزازات، إن نفينا أي تنسيق واتفاقات، أليس من المنطق والسياسة والإنسانية، وضع السوريين بصورة ما يجري وما يمكن أن يجري لإدلب، أم نزوح أكثر من 200 ألف للحدود السورية التركية، لما يكفي، ليكون السوريون ورقة تلويج، يستخدمها من يهمهم الأمر، لتمرير منافع وتحقيق مصالح على حساب الدم والتشرد السوري.
ربما يغيب عن خلد الأطراف الضامنة والمتصارعة، بواقع تحول سوريا لمزرعة، يقتسم منها من يشاء، أن الحرب على إدلب ليست نزهة، ليس لأن فيها مسلحين وسوريين ثوريين، يفضلون الموت على العودة لاستبداد الأسد فقط، بل لأن إدلب اليوم، ربما تعد من أكثر مناطق العالم كثافة، والحرب عليها ستكون سابقة بالإبادة، تفوق ما حصل خلال الحربين العالميتين ويوغسلافيا.
هذا عدا أن التفكير بدخول إدلب، سيبدل من الاتفاقات واقتسام النفوذ على الأرض، وربما يفجر حرباً لم يحسبها المحتلون أو يتحسبوا لها.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية