زمان، وخلال كل كلمة يلقيها مسؤول سوري، من رئيس الدولة ونازل، كانت عبارة "الخصوصية السورية" حاضرة كلازمة أو "كوبليه" يُنشز المسؤول إن لم يصمّغ آذان الحضور بسماعها.
وهذه الخصوصية كما الصمود كما التصدي وكما الممانعة، يمكن استخدامها، بكرة وأصيلا، قبل الطعام وبعده، فهي من الرخاوة ما يمكن مطها، على حسب ما يشتهي السيد المسؤول وتقتضي الحجة والحاجة، أو "الخازوق" الذي ينجّره للسوريين.
فعدم زيادة الأجور تتعلق بالخصوصية السورية، وعدم كشف موارد سورية والإفصاح عن عائدات تصديرها، يتعلق بالخصوصية، وتوطيد العلاقات مع دول "نص كم" وقطيعة دول متطورة، منطلقها طبعاً الخصوصية، بل وحتى استيراد الأسلحة من قوت السوريين، وتكديسها بذريعة التوازن الاستراتيجي مع العدو الغاشم، كان مردها الخصوصية السورية.
والخصوصية، كما أسلفنا، هي مفهوم مطاط وثوب لبيس، يمكن رميه بوجه أي سوري محتج، ليخر مصعوقاً مذعورا، فهي بغالب الأحايين، ما كانت تقترن بالعدو الإسرائيلي، ما يعني، وبمجرد محاولة فك طلاسم تلك الخصوصية، قد تودي بالساعي، لتهمة الخيانة العظمى.
بيد أن الوجه الآخر للخصوصية، لمّا يسمعه أو يراه السوريون يوماً، إذ ثمة خصوصية سورية فعلاً، فهي بلد يتمتع بتنوع جغرافي قلما أن امتلكه سواها بالعالم، قياساً لمساحتها، وخصوصية سوريا أنها تمتلك من الثروات الباطنية فقط، إن لم نأت على سواها، ما يجعل شعبها مستور الحال إن لم نقل أكثر.. بل ومن خصوصيات سوريا، جغرافيتها، والتي إن حكمها رجل وطني، يمكن أن تنعكس على السوريين، بعائدات العبور فقط، بحيث ينام السوريون للعصر ويأتيهم عائد لينافسوا بدخلهم، دول الخليج النفطية.
المهم ودونما تقليب مواجع تلك الخصوصية، ثمة نوع قلما وعاه السوريون، أو اعتقدوا أنه يمكن أن توصله الخصوصية لهذا الحد، ألا وهو خصوصية بناء الجيش السوري.
لماذا خلطنا "شعبان برمضان" وما علاقة المؤسسة العسكرية بالخصوصية؟!.
حقيقة الأمر، تجلت خصوصية الجيش السوري، وظهر على خصوصيته، كجيش الأسد خلال الثورة، وبما لا يقبل الشك والتأويل.
وربما بنظرة سريعة لجيوش العالم التي تعنى بحماية الحدود وتطبيق شريعة القانون إن اقتضى الأمر، ومقارنتها مع الجيش السوري، يتضح ما رمينا إليه جلياً.
بل وبالنظر لما فعلته الجيوش العربية التي شهدت بلدانها ثورات، وأداء الجيش السوري، ينقطع الشك باليقين.
فحتى مصر، التي سرق جيشها نتائج الثورة وساهم بالانقلاب على الحكم الشرعي، لم نر أي قتل للشعب إن بالكيماوي أو البراميل، وها هي جيوش الجزائر والسودان الآن، تعيد الحسرة لجميع السوريين، فهي وقفت بوجه الديكتاتورية وأخذت من حراك الشعب، البوصلة والغاية.
نهاية القول: تردد بعد تنحي الرئيس السوداني عمر البشير وعدم ترشح الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ووقوف الجيش هناك، موقفاً يتناسب مع دوره الوظيفي الذي وجد لأجله، إن لم نقل موقفاً مشرفاً...لماذا لم يكحّل السوريون عيونهم، ولو بنصر مجزوء كما السودان.
أعتقد أن الإجابة الأهم، تكمن بخصوصية الجيش، ذاك الذي آثر حافظ الأسد على بنائه على نحو طائفي عقائدي، وليس على أساس وطني، وكأن الخصوصية هنا، تم الاستعداد لها وتهيئتها، فقط للرد على الشعب وحماية كرسي السيد الرئيس، وكل ما قيل عن حرب المحتل، أكدت الأحداث والقصف الاسرائيلي المتواصل وقضم الأراضي، أنه أعذار لتكتمل ملامح الخصوصية، ليس إلا.
وللإنصاف، ثمة أسباب وخصوصيات أخرى، تضاف إلى مؤسسة الجيش في عدم نجاح ثورة السوريين، منها، أو ربما أهمها، خصوصية الجغرافيا ووجود إسرائيل الهانئة والهادئة حدودها إلى جانب دولة الصمود الأسدية.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية