هامش رقم 1: ربما من حق معاذ الخطيب، أو غيره، أن يتقدموا بمبادرة أو يرسلوا برسالة للنظام السوري أو إيران وروسيا، وحتى أن يقوموا بزيارات، وهذا ربما من الحريات الشخصية أو من منجزات الثورة، ولكن هل يحق لأي سوري أن ينوب عن غيره، وخاصة من المكلومين وأصحاب الحقوق، أم في ذلك تعد على الحقوق الشخصية وليس حق شخصي للساعي؟!
هامش رقم 2: هل برسالة السيد الخطيب لبشار الأسد، شرعنة لحكمه وإعادة تأهيله داخلياً وخارجياً، خاصة أنها جاءت بفترة، يحاول سوريون كثر، عزله والدعوة لمحاكمته، أم أن مثل هذه النداءات، إن لم يؤثر إيجابياً، لجهة تحوّل بعض السوريين لجادة الصواب، لن تؤثر سلباً، لأن الإبقاء على نظام الأسد رغم كل جرائمه، قضية "اتفاق دولي" ولن يكون لنداء أو رسالة أي أثر.
هامش رقم 3: أيعقل لمثل النظام السوري الذي لم تردعه أخلاقه ووطنيته، حتى عن قتل الأطفال والنساء، بالمعتقلات والبراميل، بعد أن هجر نصف سكان سوريا، بل ووصل إلى "نكون أو لا نكون" أن تغيّر رسالة من مواقفه وقناعاته.
ولعل بالتوقيت، السر الأهم بأي نداء أخلاقي وطني، فأن تكون رسالة الخطيب عام 2011 أو 2012، فربما كانت المبررات كثيرة لطرحها بل ولتكرارها حفاظاً على الوطن والسوريين.
أعترف، أني كتبت مرة "معاذ الخطيب يمثلني" وكانت الأولى والأخيرة، ولست نادماً بالتأكيد، لأني قلتها جراء أحداث وسياق زماني، وذلك بُعيد إلقاء السيد الخطيب، كلمة سوريا بالجامعة العربية بالدوحة، خلال ترؤسه الائتلاف والوفد السوري عام 2013.
وعرفنا كسوريين، عن الخطيب، كثرة المساعي والمبادرات، وربما اللقاءات والزيارات، التي لا تعبر عن حال الثورة، بشكلها على الأقل، فالرجل لا ضير عنده من زيارة موسكو أو لقاء وفد إيراني، رغم يقين السوريين، أن من طهران وموسكو، إنما جاء أس البلاء وأساسه.
ودائماً، يبرر الخطيب، أقواله وأفعاله، أنها في صالح سوريا الواحدة، بمعنى، حرصه على ما تبقى من سوريا وأهلها وبناها، لطالما أيقن، وخاصة خلال وجوده على رأس الائتلاف، أن العالم، كل العالم، يسعى لتدمير سوريا، معتمداً -العالم- على التحريض وردود الأفعال والتوريط، عند النظام الأسدي أولاً..ولو من قبيل "انفشو وشوف ما أجحشو".
وقبل أن نطلق النار أو المدائح على السيد الخطيب، حبذا أن نمر ولو سريعاً، على أهم ما حملت رسالته التي وجهها عبر الأثير، قبل أيام إلى بشار الأسد.
بعيداً عن حرص السيد الخطيب على بدء الرسالة بآية قرآنية، ما يدلل على تصميمه على التعاطي الأخلاقي والروحي، بمسائل باتت أبعد ما تكون عن الأخلاق، بعد أن أوغلت بالدم واختطلت بالمصالح ودخلت حتى بنفق "الوجود" من نظر معظم أصحاب القرار على كلتا الضفتين.
فنّد الخطيب عبر ثماني نقاط، الواقع السوري وميازين القوى الداخلة به، بادئاً بتبدل العلاقات الدولية مكرراً عبارة "الدوائر المتوحشة"، ومؤكدا للمخاطب الأسد، أنه لم يعد من حليف دائم وعلى عدو ثابت، بل مصالح وأهداف القوى الكبرى التي غاصت بالمستنقع السوري، هي من تحرك "المحتلين" ما أدى لضياع البوصلة السورية وتاه معظم السوريين.
ولم يتنصل الخطيب خلال نقطته الثانية من المسؤولية، كمعارض، بل وزعها على جميع الأطراف الإقليمية والدولية، بل وعلى التنظيمات السياسية التي ترأس أهمها، أو الإخوان المسلمين ناسباً تفشيل عمل الائتلاف وقبله المجلس الوطني لهم.
وأسهب الخطيب حول فكرة محورية، مفادها أن الثورة لن تموت، رغم كل ما أصابها من تشويه وحرف مسارات، بل وما أصاب السوريين من ضياع وتفكك وتبديد طاقات، ممثلاً بمرة من المخيمات وأخرى من طرطوس، ليقول ويؤكد، أنه يسعى لسوريا جميعها، وليس لفسطاط أو حلف أو طائفة.
وبشيء من الأخلاقية المعروفة عن الخطيب، خاطب رئيس النظام مراراً، هل تظن أنك ستستمر بحكم هؤلاء بعد كل الذي فعلته بهم، مستذكراً منذ أطفال درعا وتصميم الأسد على الدفاع عن "ابن خالته" وتحويل المطالب لصراع وحرب على السوريين وثورتهم.
ولم يفت الخطيب خلال رسالته، أن يتطرق لفزاعة الطوائف التي يستخدمها كثيرون، وبمقدمتهم الدول الكبرى، واصفاً الصراع السني الشيعي بـ"الأحمق" وغائصاً بتاريخ "المظلومية" ليس عند الشيعة ومقتل الحسين، بل وعند السنة والعلويين، بل وحتى عند الحركات والأحزاب السياسية، ومنهم حركة الإخوان المسلمين.
وعرّج الخطيب على استمرار النظام السوري بتجهيل السوريين وخداعهم، عبر الإعلام والتجييش والتخويف، داعياً بشار الأسد "ليستيقظ" فماذا ذنب الأبرياء وعلينا جميعاً البحث عن مخرج، والرئيس الحكيم، بحسب وصف الخطيب، هو من يفصل حتى وإن حيكت له ولبلده مؤامرة، ولا يغرق بها.
قصارى القول: ثمة نقاط، بعد هذه "النصائح والأخلاقيات" أتى عليها الخطيب، وأعتقد أنها الأهم ومربط الفرس.
أولها تركيزه وتكراره على أن كثيرين في "حواضن" النظام، غير راضين عما جرى وسيجري، وربما اللافت أن الخطيب ركزّ على الضباط ومن هم داخل إدارة الأسد "الحريصون على سوريا".
وهذه النقطة، ربما هي سبب تسمية كثيرين لرسالة معاذ الخطيب بالمبادرة، وربما ماعزز ذلك، أن الخطيب ذكّر الأسد، بمبادرة سابقة وأنه، حتى لم يقرأها.
وأما ثالث النقاط وأخطرها برأينا، فهي ما ألمح إليه السيد الخطيب، بأن ثمة مبادرة وتم طرحها، أو على الأقل، عرضها على الجانبين، الروسي والأمريكي، ولاقت قبولاً أو استحساناً، بل وربما من مكان وزمان محددين للإقلاع بها.. لذا "فكر بالأمر يا بشار".
والجديد بهذا الطرح، أن السيد الخطيب طمأن الأسد، بأنه ليس من شروط مسبقة موضوعة كشرط للقاء، بمعنى، لا يوجد إسقاط الأسد، كما كان يطرح قبل اللقاءات والمؤتمرات السابقة. كما الإشارة إلى أن ثمة من يوافق على اللقاء من إدارة الأسد ورضى موسكو وواشنطن على اللقاء.
إذاً، السؤال الآن، هل مبادرة أو رسالة السيد معاذ الخطيب، هي ذاتية وفردية، أم ثمة تنسيق إقليمي ودولي على طرحها، والآن على وجه التحديد، بعد أن تعمّق الاختلاط وتعددت المستويات بالحالة السورية، حتى بدت أشبه بـ"مستحيلة الحل".
وهل رسالة الخطيب، موجهة حصراً لبشار الأسد، أم لمن حوله ليفكروا ويتخلوا عنه...أو ربما للشعب السوري برمته، سواء من هم حول الأسد أو معارضيه.
وأيضاً، ألا يمكننا قراءة رسالة لدول الإقليم أيضاً، خاصة وأن الخطيب حمّل جزءاً من الأخطاء، لتركيا وقطر والسعودية وسماهم بالاسم.
وغير ذلك من أسئلة كثيرة تتوثب على الشفاه، منها، هل يمكن قراءة "حملة انتخابية مبكرة" من رسالة الخطيب، ليكون منافساً خلال انتخابات 2021 لبشار الأسد، إن تم التوافق دولياً على بقاء بشار حتى نهاية فترته التي تجددت عام 2014، أم ثمة سقوط لهذا الاحتمال، خاصة إن استذكرنا أن الخطيب ألمح لبشار بالهروب أو ترك البلد مع من يريد، وهو حل لم يزل يطرح، حتى بموسكو التي ترحب بلجوء الأسد وآله وصحبه.
من الظلم لمعاذ الخطيب ولسوريا الحاضر والمستقبل، ألا يرى السوريون، وعلى كلتا الضفتين، أي أمل وضرورة بمبادرته، خاصة أن السوريين خبروا واختبروا، دول الإقليم والعالم، ولمسوا مدى زيف وكذب الشعارات التي ترفعها دول الشمال الديمقراطي، بل وحرصهم جميعهم، على استمرار الحرب حتى لا تبقي بسوريا ولا تذر.
بيد أن ردود الأفعال وعلى ما أحسب، تأتت من "تجريب المجرّب" فلو كان الأسد يريد الجنوح للسلم ويحرص على سوريا، لما دخل عامداً بهذا النفق المظلم منذ آذار 2011، وأما الأهم الذي أغفله الخطيب ويقع بفخه كثيرون، فهو مخاطبة بشار الأسد، وكأنه صاحب القرار والحل. متناسين أن لخاله وأولاد خاله الدور بإشعال الفتنة والحرب منذ مطلع الثورة، ولإيران الدور بسوقها إلى طريق اللاعودة فيما بعد. رغم يقين الجميع، أن بزوال بشار الأسد، بداية الحل بسوريا، ولن يكون من حلول، لطالما يتسلح الخالف بطهران والمخلوف بسوريا، ببقائه كواجهة لتحقيق مآرب وأهداف، جميعها في غير صالح السوريين.
نهاية القول: أذكر وقتما كنت بمجلس إدارة تلقزيون "شام" بدمشق، كان الجميع ينادون صاحبه ورئيس مجلس الإدارة، أكرم الجندي، بالحاج، في حين أفضّل مناداته بالأستاذ أكرم.
مرة سألني عن تبريري لذلك، قلت باختصار لأننا بموقع عمل "أي لسنا بمسجد" وكذا، لن أقول الشيخ معاذ الخطيب، لطالما يسوّق نفسه كسياسي أو صاحب مبادرة حل.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية