يتغير وزراء النظام، وتتغير معهم ظروف البلاد، وتغرق في مآسيها، ومع كل هذا التغير الكبير يبقى الخطاب كما هو عقيماً وصدئاً وثابتاً على مقولاته التي لم يعد يصدقها أحد، ولم يعد يسمعها سوى ثلة المستمعين في تلك القاعة المغلقة على نفسها، وذاك الجمهور المغيب الذي بات يفيق من غفوته كأنما استفاق من موت بعدما صدمته سيارة عابرة.
توارث وزراء إعلام النظام لغة الترفع عن الواقع، والكذب على الناس، وأنشؤوا جيوشاً من الصحفيين الذين نجحوا في أن يكونوا فرقة من المرددين خلفه، وكومبارس يدور على خشبة مسرحه كثور يأكل كي يتقن الدوران دون اعتراض أو دور فاعل سوى هذا الطحنّ المستمر لرحى الطاحون الثقيلة.
في المستوى الأدنى من هذا البنيان المبني على الكلام الأجوف كان لا بد من صناعة إعلام يرى في السذاجة كامل الذكاء، وفي البلاهة منتهى الجمال، وفي العبودية وطنية لا تدانى، وفي مديح القائد الأبدي تراتيل نجاة للوطن والشعب.
أما رجالاته فهم نوعان..القومجي الذي يشبه ثور الرحى، والمرتزق الذي يشتري ويبيع في قضايا القيادة، وسبابته دائمة الاتهام للآخرين بالخيانة والعمالة والفساد، وفي عهد انفتاحات السياسات الاقتصادية قفزهؤلاء جميعاً إلى مركب التجار ورجال الأعمال، وبنوا ممالك نفاق جديدة غايتها المال، وصناعة الوهم.
ولأنهم قادرون على رسم ملامح وفق الرحلة عادوا إلى وجه القومجي والوطني في حدودها الدنيا، وصار الوطن شخصاً، والجمهور قرابين في سبيله، والطائفة أمة، والكلمة سيفاً ينتقم من الماضي بلا وعي اللحظة، والجمال هو المديح الرخيص المبتذل، والإعلام قصيدة في بلاط السلطان لا قيمة لها سوى ما يرشه على جواريه.
وهكذا لم نر في وزارة إعلام الوطن وزيراً وطنياً، أو في أضعف الإيمان مهنياً، وتبدلت الأسماء بين صاحب لحية وأفاق إلى مخبر صغير بلا تجربة، وهؤلاء أجادوا فن الوضاعة أكثر مما هو مقرر لهم، وفي الحرب صار الخراب عرش انتصاراتهم.
عماد سارة الوزير الصغير لا يجد ضيراً في وصف التعتيم والصورة الواحدة على أنها موضوعية، ويرى أن وجهة نظر النظام فقط هي الحياد بعينه، لذلك اعتبر في تصريح لجريدة "الوطن" أن (الشرط الوحيد الذي تفرضه دمشق للموافقة على دخول الفرق الإعلامية الغربية إلى سورية ينحصر في مطالبتها بـالموضوعية والحياد).
وكما كل المنتصرين الخارجين من معارك تاريخية يقول إن وزارته (لا تطالب أي إعلام في العالم أن يكون معنا)، وإنها وافقت السنة الماضية على دخول 220 وسيلة إعلامية إلى سورية...وهذه هي أخلاق الفرسان النبلاء في معاركهم.
سارة الذي تكلم في حفل توقيع كتاب (دروس في الحروب النفسية السورية) لأهم إعلاميي الممانعة حسين مرتضى، ومراسل "قناة العالم" الإيرانية في دمشق، وزاد في كلامه ليصل إلى حد التباهي بما كان العائق في صناعة إعلام حقيقي سوري.
سارة الذي لم يمارس الإعلام إلا من هوس الكرسي قال في حفل الممانعة دفاعاً عن اتهامات لإعلام النظام بالخشبية: (إذا كانت الخشبية ثمناً للكرامة والسيادة، فليستمروا في نعته)..وبهذه العبارات نفسها على مدى عقود كان الإعلام عبداً لسيده، ومساهماً في صناعة الوهم الذي قادنا إلى كل هذا الخراب.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية