أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ملامح إفلاس محور المقاومة وآمال جديدة بذكرى الثورة*

أرشيف

أذكر، بمطلع شباط 2012، نزع حسن نصر الله، بعض الأقنعة عن وجهه، وقت اعترف ولأول مرة، بأن الحزب يتلقى من إيران السلاح والمال بما يغنيه عن مصادر أخرى، وإن آثر استمرار الكذب وقتذاك، خلال نفيه إرسال مقاتلين لمواجهة الثورة السورية، واصفاً حراك السوريين بمؤامرة حيكت بين الغرب ودول الاعتدال العربي، لإسقاط نظام بشار الأسد.


ولم يترك نصر الله، خلال الاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف حينذاك، أي تشكيك لتبعيته لإيران وتأديته دوراً وظيفياً، يخدم مشروعها النكوصي الفارسي "هذه الحقيقة كانت في السابق تقال بشكل جزئي.. كنا نقول لدينا دعم معنوي وسياسي، وعندما نسأل عن الدعم المادي والعسكري نسكت حتى لا نحرج الجمهورية الإسلامية" ولكن، يعترف زعيم ميليشيا حزب الله "أغنانا الله من إيران عن أي فلس في العالم.. لسنا محتاجين".


أما لماذا اجتاحتني هذه الذكريات اليوم، رغم سماعنا تسجيلا مصورا لنصر الله، مذ دخوله على زعامة الميليشيا "مشروعنا الذي لا خيار لنا غيره، هو حكم الإسلام، وليس أن يكون لبنان دولة إسلامية واحدة، بل جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق، الإمام الخميني"، فببساطة، لأن الأستاذ المظلي نصر الله، بدأ يواجه أزمة مالية، ويبدو أن "فلوس" إيران، بدأت تتراجع، ما دفعه لمد اليد لـ"المتبرعين" بالأمس، داعياً مؤيديه إلى التبرع بالمال، بظل ما أسماه، العقوبات المالية التي اشتدت وطأتها على الحزب.


وضمن لزوم ما يلزم، من بضاعة المقاومة والممانعة، أشار نصر الله، خلال كلمة متلفزة أثناء مأدبة عشاء أقامها حزبه ببيروت، أن العقوبات الأميركية قد تشتد على حزبه وعلى إيران وسوريا وعلى "مجمل حركات ومحور المقاومة"، معتبراً أن ما يجري، كما العادة، حرب واستهداف و"علينا مواجهة الحرب".


سؤال، ما هو المستجد الذي يدفع المظلي نصر الله للتسول؟!
الجواب الظاهر أو المقدم للجمهور، أن بريطانيا وضعت الشهر الفائت، كل أجنحة حزب الله، ضمن المنظمات الإرهابية.


سؤال ثان، وهل ذلك يؤثر على زراعة الحشيش والتجارة حتى بالجسد، التي تأكد ضلوع الحزب بهما، إن بسوريا أو لبنان.
جواب افتراضي، طبعاً لا، ولكن لا بد ومن مفهوم أيديولوجي "ميكافيللي"، الإبقاء على التأزيم يكسو الجماهير، ولا بد من إبقائهم مخدرين موهومين أن العالم بأسره، يستهدف قياداتهم "الحكيمة المقاومة".


سؤال أخير، أهي المرة الأولى التي يتسول خلالها نصر الله علانية وعلى الشاشات التي يبث خطاباته من ورائها؟
الإجابة، لا فقد سبق في شباط 2017، أن مارس اللعبة ذاتها، وقت أطلق حملة "تجهيز مجاهد" ليرسله إلى سوريا، فيحافظ على الأماكن المقدسة وبطريقه يقتل السوريين وحلمهم بدولة ديمقراطية، ويبقي على الركن الثالث بمعادلة النضال والمقاومة، حاكما وإن شكلياً بقصر المهاجرين.
والمفارقة أن "اللبنانيين" لم يعلقوا على تسول نصر الله أمس، في حين قالوها علانية قبل عامين "لا قدرة لنا على التبرع وليطلب السيد من إيران".


ولكن، كإحدى زوايا تحليل الحدث، يبدو أن إيران "تفرك" أذن نصر الله، كما فركت وباليوم نفسه، أذن الأسد، عبر تصريح رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه "على مدى سنوات التعاون في الحرب بين إيران وسوريا، فإن حكومة دمشق أصبح عليها ديون كبيرة لإيران، ويجب على حكومتنا إقرار هذه الديون بشكل قانوني مع دمشق".


ما يعني أن الأزمة المالية، أو تسويق هذه الأزمة على الأقل، لأغراض استعطافية وسياسية، بدأت تتصاعد بدول محور المقاومة، وربما، على قولة المرحوم الماغوط، "نسمع عواء من اليمن أو خواراً من بغداد"، لتتسع مظاهرة العوز، ما يهدد مشروع الامبراطورية الفارسية.
المتابع لتعاطي الولايات المتحدة مع إيران وأذنابها، بدمشق وصنعاء وضاحية بيروت الجنوبية، يلحظ أنها "تمويت على البطيء" وأكيد، ليس الدافع العدالة بعد تمادي إيران وسيطرتها، بحسب اعترافها، على أربع عواصم عربية، بل ثمة أسباب أخرى، معظمها لا دخل للعرب وهيمنة طهران على بعض دول المنطقة بها، وإن كان لـ "الرز" السعودي، دور بالاستعجال أو علوّ الصوت إعلامياً.


بل ثمة أهداف أمريكية بعيدة، لها علاقة، ربما بمطالب إسرائيل أولاً وبقطع يد روسيا عن حليف نفطي قوي، أو حتى بتأديب بعض دول القارة العجوز، التي سارعت وأعادت العلاقات الاقتصادية مع طهران، بعد التوقيع على الاتفاق النووي عام 2016.


اليوم، وبعد نحو ثلاثة أشهر على بدء تطبيق العقوبات الأمريكية، بدأت الآثار تنتقل من الشارع الذي ثار على الظلم والبطالة والفقر، إلى غرف القرار الفارسية، لترسل عبر حلفائها، أن العقوبات أنهكتها بعد تهاوي سعر صرف "التومان" إلى ما دون 145 ألفاً مقابل الدولار الواحد، فإما يقومون بما يلزم، أو ستتغير سياسة طهران.


وجدنا استجابة من الأسد بتسليم مرفأ اللاذقية والتسريع بتنفيذ الاتفاقات الموقعة، وبمقدمتها عقد الخليوي، وها هو نصر الله، وضمن الإمكانات، يمد اليد للبنانيين.


نهاية القول: ربما السؤال الأهم لنا كسوريين، أيمكن لتردي الوضع المالي، لمحور الشر والاستبداد، أن تعيد الأمل للسوريين بذكرى ثورتهم، أم، ليس من جديد. وقد عانت طهران والأسد من ظروف اقتصادية أقسى، فضلاً عن أن الأنظمة الديكتاتورية، قلما تسقط من بوابة الاقتصاد.


أغلب الظن أن هذه الأزمة الاقتصادية المترافقة برغبة دولية بطرد الاحتلال الإيراني والعصابات التابعة من سوريا، بل وربما الهمة بتحويل الأسد للمحاكم الدولية، لن تكون كسابقاتها، بل وعلى الأرجح، أن تتوّج بآمال جديدة للسوريين، ستؤتي ثمارها ولا شك، رغم عدم الثقة بوجود معارضة قادرة على اللعب والاستثمار.

*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل
(223)    هل أعجبتك المقالة (230)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي