دونما أي استهلال وتقديم، لماذا سرّبت روسيا البوتينية صور إذلال جديدة لبشار الأسد، والآن تحديداً، إن كانت الصور ملتقطة منذ نهاية عام 2017، وقت زار فلاديمير بوتين قاعدة حميميم "جنوب شرق مدينة اللاذقية السورية"، وتعمّدت موسكو وقتذاك، تسريب "الفيديو" الشهير الذي يمنع خلاله أحد الضباط الروس، بشار الأسد، من اللحاق بالرئيس الروسي.
والتسريب الروسي الجديد، يحمل من الدلالات، إن بتوقيته بعد خطاب بشار الأسد أمام رؤساء المجالس المحلية، وانقلابه خلال الكلمة، على اللجنة الدستورية التي "تهندسها" روسيا، وتبجحه بالحروب الأربع وانتصاراته التاريخية، بل وتناوله الرئيس التركي الذي تحاول روسيا استمالته من واشنطن وحلف الناتو، ولو وطنت بتركيا التكنولوجيا النووية وصواريخ بعيدة المدى.
فضلاً عن الدلالات التي تضمنتها الصورة ذاتها، من إجبار وقوف بشار الأسد صاغراً، بين ضباط روس إلى جانب جدار عليه العلم الروسي،، بانتظار انتهاء بوتين من إلقاء كلمته للجنود الروس الذين يحتلون حميميم السورية.
قبل محاولة البحث عن إجابات، لسبب تسريب روسيا هذه الصورة، تعالوا نستذكر الفرص التي أتيحت لبشار الأسد، كيف بددها جميعها ليحوّل سوريا إلى أنموذج للخراب والتهجير وساحة اقتسام نفوذ وصراعات دولية.
لم يك اسم بشار الأسد متداولاً، إلا بعد مقتل أخيه الأكبر باسل، خلال حادث مروري لم تزل أسبابه غامضة لليوم، منذ ذاك، بدأ تأهيل بشار ليخلف بحكم سوريا أبيه، بعد موت الوريث الذي دفع به حافظ الأسد للواجهة عبر سنوات.
وبدأ الترويج لبشار الأسد وعلمه ولطفه، قبل أن يتسلم ملف لبنان، وبعد تأهيله على أيدي "رفاق الوالد" من محمد ناصيف خير بيك وعبد الحليم خدام وسواهما.
المهم، ودنما استعراض لتاريخ حديث يذكره معظم السوريين، تبوأ بشار الأسد السلطة بالجمهورية، خلفاً لأبيه، وبارك التوريث، الحكام العرب، وبمقدمتهم "السعودية ومصر" وأقطاب العالم وبطليعتهم، فرنسا والولايات المتحدة، ويذكر السوريون جيداً، ما قيل عن الاجتماع المغلق مع وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، في 14 تموز/ يونيو عام 2000.
بل، ولقطع التأويل والخلاف، أشادت أولبرايت بعد لقائها بالابن بإحدى غرف القصر الرئاسي، بالانتقال السلس والهادئ والمنظم للسلطة في سوريا، وقالت "لمست منه بوادر مشجعة إزاء السلام في المنطقة، وأن "النظام يعمل على ما يبدو بطريقة سلمية ومنظمة" ولك عزيزي القارئ ومنذ ذاك، أن تتخيل ما قيل بالاجتماع المغلق، من وعود ووعيد، حتى خرج عن "قبلة الامبريالية والشيطان الأكبر" مثل هكذا رضى وتأييد.
ليكن الوريث، وبين ليلة وضحاها، حاكماً لدولتين ونصف "سوريا ولبنان ومعظم الفصائل الفلسطينية" ويكون صاحب القرار على أعرق بقاع الشرق، بما فيها من ثروات وجغرافيا وطاقات بشرية...بل وأسرار.
ومرت السنون على السوريين، ملأى بالتأرجح، بين تصديق وعود "الشاب" من تطوير وتحديث وإقصاء "الحرس القديم" حتى ساقه من يهمهم الأمر، بالداخل والخارج، لينقلب على كل ادعاءاته، عبر أمثلة لا حصر لها، ربما بمقدمتها، على الديمقراطية وحرية الرأي، وسجن قيادات "ربيع دمشق" الذي غرر بهم خطاب القسم 17 يوليو 2000 وقت قيل عن "احترام الرأي الآخر"، فحولوا بعض لقاءاتهم السابقة أيام حافظ الأسد، كاللقاءات ببيت المخرج الراحل نبيل المالح إلى العلن، ليقعوا بفخ "الولد سر أبيه" وليطفئ شمعة أمل، عول عليها سوريون، بعد بيان " جمعية أصدقاء المجتمع المدني" خلال أقل من عامين.
واستمر التأرجح حتى مطلع عام 2011، وما تخلله، من تفشي برجوازية العسكر وأبناء المسؤولين، بل وإلغاء الطبقة الوسطى بسوريا، لتنطلق التظاهرات الشعبية التي نادت بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، ليضيّع الأسد، آخر الفرص، ويدخل وسوريا، بوابة الخسائر التي لن تنتهي.
تعمدنا المرور ولو سريعا، على ما قبل الثورة، علّ القارئ يتذكر، أي فرص منحها السوريون والعالم، بل والأقدار لبشار الأسد، وكيف بدد كل شيء، وحول سوريا إلى ما هي عليه اليوم، ساحة حرب ترفرف بسمائها أربعة أعلام لمحتلين.
رغم أنه كان بإمكانه، أن يقود، حتى ثورات الربيع العربي، وفق الدعم السعودي والوصفة التركية، لكنه أبى، أو انقاد لنصيحة "الخال أبي رامي" ودخل وأدخل سوريا بنفق الذل والدمار، فضيع سوريا وحلم أهليها، بل وضاع الحد الأدنى لهيبته كرئيس، بدليل الصورة التي انطلقنا منها.
نهاية القول وعود على بدء، لماذا والآن، سرّبت روسيا هذه الصورة.
هل القصد فقط، أن تقول لأوروبا والولايات المتحدة الذين ورثوه ورعوه ببدايته، إني من يسيطر على سوريا وسأبقى بالمياه الدافئة...وهاكم الدليل.
أم كما ذهب البعض، أن الرسالة واضحة وتدلل على انتهاء الدور الوظيفي لبشار الأسد، ولابد من "قتله أو قبول لجوئه وآله" مستندين بتلك الرؤية، على ما قيل من صفقة بدأ التحضير لها، بين موسكو وأطراف عدة، منها "الجيش الحر" للبدء بانتقال سياسي خال من الأسد، يضمن حقوق روسيا وبقائها وسيطرتها.
أو، وهو الأرجح ربما، جاء تسريب الصورة لـ"يضبضب" سيادته نفسه ويعرف حدوده ولا يتجاوز من أبقاه ويحميه، ولا حاجة للقفز على الوعود التي قطعها منذ دخول روسيا عسكرياً، في سبتمبر 2015 لهزيمة الثورة ونصر الأسد، وتأكيد ذلك خلال زيارة لروسيا على متن طائرة شحن، في أكتوبر 2017، وارتمائه الشهير بحضن بوتين.
إذ، الذي يجري، سورياً بعودة قصف إدلب والتحضير ربما لغزوها روسيا وأسدياً، أو إقليمياً وما يقال عن صفقات وتبادل الأدوار بسوريا، أو حتى دولياً من الشروع بإعلان لجنة لصياغة دستور، يضمن حتى حق الأسد بالترشح، كل ذلك وسواه، لا يدلل أن الأسد يمكن أن ينتحر بخمس طلقات، كما جرت العادة بسوريا.
بمجمل الأحوال وأياً كان ما ستحمله سماء سوريا الملبدة بأمطار المفاجآت، يبقى تسريب صورة "ذل الأسد" من روسيا، وبهذا التوقيت، يبعث، وبشهية، على القراءة والتحليل والتنبؤ.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية