أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هكذا ربحت قطر..*

الرياضة ليست مهنتي، بيد من الصعب، عليّ وعلى غيري، أن نبعدها عن مقاييس التطور، بعد أن دخلت باب العلم بكل تفاصيله، من تأسيس مدارس وإحضار مدربين "أساتذة" وإخضاع اللاعبين لدروس واختبارات، بمعنى بسيط، ليس كما كانت أيام زمان "طجت لعبت".

بالأمس، حصدت قطر لقب بطولة كأس آسيا لكرة القدم، التي أقيمت في الإمارات، متفوقة في النهائي على المنتخب الياباني بثلاثة أهداف لواحد، وكما سمعت وشاهدت وقيل لي، حققت قطر جملة من الأرقام أو الألقاب بالبطولة ذاتها، فمن فريقها جاء الهداف وكانت الأقل أهدافاً برماها، هدف وحيد بسبع مباريات، ونالت البطولة القارية دونما خسارة، لتدخل في لائحة الأبطال الذهبية، للمتوجين بأهم ألقاب القارة الصفراء.

أكرر، الرياضة ليست مهنتي، ومن السهل أن أقع بجملة من الأخطاء، إن ادعيت النقد الرياضي والتحليل، لذا سآتي على بعض الأسئلة التي توثبت، ربما، على شفاه كل من تابع المباراة أو حتى سمع بفوز قطر بتلك البطولة القارية ولأول مرة بتاريخها.

أول تلك الأسئلة، إن ثمة شكوكا حول استضافة قطر لمونديال كأس العالم عام 2022، فمن يستطع أن يشكك بنيلها كأس آسيا، وهل من جواب، سوى أن فريقها لعب على نحو مخطط ومنظم وامتلك من المهارة واللياقة، ما مكنه من هزيمة فريق قوي، كاليابان.

وأيضاً، هل من مدى لحدود الانتشار التي كسبته قطر وستكسبه، جراء فوزها ببطولة قارية، شاركت خلالها فرقا عريقة ولها باع، حتى بالبطولات العالمية، مثل إيران وكوريا واليابان، وحتى الإمارات والسعودية.

وأقصد بحدود الانتشار هنا، السياسية منها تحديداً، خاصة أن حصد قطر للقب، جاء خلال حصار أشقائها لها، ومن المصادفة المؤلمة للأشقاء ربما، أن فريقها هزم المحاصرين كروياً، وبمقدمتهم فريق الإمارات، برباعية نظيفة، خلال مباراة نصف النهائي.

ومثل هذا الانتشار وتحميل أفكار وأهداف وحتى سياسات، على الرياضة، فضلاً عن أنه مشروع، تدفع له الدول أموالاً باهظة وتضع له الخطط والبرامج، فعلى صعيد إعلان تجاري على حدود الملعب بمباراة منتظرة، تدفع الدول وتتسابق لتحظى بثوان أمام الكاميرات والعالم المترقب.

وأما السؤال الأهم، والذي ربما قدمنا له أكثر مما يجب فهو، كيف حققت قطر ذلك الإنجاز الكروي.

نكرر، أكيد ليس عبر المال أو عائدات الغاز، ولا عبر رشوة الحكم وشراء ذمم اليابانيين، بل ولا حتى جراء رفع الروح المعنوية لللاعبين من أشقائهم الإماراتيين الذين استضافوا البطولة، بل بسبب واحد، وإن تفرع عنه طرائق وتحضيرات عدة.

السبب هو مأسسة اللعبة، أجل مأسسة وبكل أبعاد الكلمة، ابتداء من خلق بيئة خصبة جذبت أهم المدربين واللاعبين بالعالم، مروراً بتأسيس أكاديمية "أسباير" ومنذ عام 2004، لتعمل على صناعة وتطوير أبطال رياضيين مثقفين، ولتصل إلى موقع الأكاديمية الرياضية الرائدة عالمياً، في تطوير الرياضيين الشباب بحلول 2020. وبالتالي، تحاول أن تقول "أنا هنا" وربما تحدث مفاجآت، خلال استضافتها مونديال كأس العالم عام 2022.

ربما لا حاجة للشرح والمقارنات ونكء الجراح، إذ يكفي أن نضع خطين تحت كلمة صناعة لاعبين، وخطين تحت كلمة مثقفين، لنعرف كيف فكرت قطر بالوصول إلى هدفها، وكيف فكرت سوريا الأسد، ليس خلال خروج فريق "نسور قاسيون" من البطولة ذاتها وعلى نحو مذل. 

وأخص، محاولة نظام الاستقواء والفوضى، إحياء الموتى واستعادته، اللاعب والحكم السابق "فاروق بوظو"، ذي الثمانين عاماً، ليطور اللعبة، بل وكيف فكر الأسدان، مذ هدما البنى والهياكل المؤسسية، إن بقطاع الرياضة وغيره، فغابت سوريا الرائدة قبل "حكم الرعيان" عن أي محفل وتتويج، ثقافي وعلمي ورياضي...اللهم عدا بعض الحالات الفردية والتي تؤكد ما نرمي إليه، من أن لا مؤسسة ولا خطط بسوريا الممانعة.

عود على بدء، ربما التفوق الرياضي ليس دليلاً قاطعاً على تطور الدول والأمم، لكنه مؤشر ولا شك، لطالما أخذ الشكل العصري بـ"صناعة" اللاعبين، وما يقال عن الرياضة، ينسحب دونما شك، على بقية قطاعات الحياة، من اقتصاد وعلم وثقافة، فمن يسعى لدولة فيمؤسس وينظم ويبعد كل أشكال القفز على المنطق والحقائق والقانون، ويضع التكتيك والاستراتيجية للوصول لهدفه، سيصدر معجماً للغة وينال بطولة قارية، وربما يحدث مفاجآت عالمية على صعيد الرياضة والثقافة والعلوم، وإن كان عدد سكانه لا يصل لسكان أصغر مدينة بسوريا، ومن يسعى لتهديم الأسرة وإحباط الفرد وبث روح الهزيمة بمجتمعه، سيصل لاستدعاء محتلين كي يقتلوا شعبه، بعد أن أبعدهم عن جميع منصات التتويج.

*عدنان عبدالرزاق- من كتاب "زمان الوصل"
(196)    هل أعجبتك المقالة (210)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي