أثار عرض مسرحي بعنوان "يا كبير" للمخرج "رأفت الزاقوت" عاصفة من الانتقادات والجدال عقب ظهور الممثل السوري "حسين مرعي" عارياً فيه لمدة 10 دقائق، الأمر الذي اعتبره البعض خادشاً للحياء وخارجاً عن الآداب العامة.
ورأى البعض الآخر أنه تعبير عن حالة معينة في مشهد مسرحي مشغول، وفيما أكد الفنان "حاتم دربال" المدير العام ورئيس مهرجان أيام "قرطاج" المسرحية لوسائل الإعلام أن المشهد "كان من وحي اللحظة فقط" ولم يكن موجوداً فى العرض من قبل، أكد الزاقوت في تصريح لـ"زمان الوصل" أن المشهد لم يكن مرتجلاً وإنما كان موجوداً، مشيراً إلى أن "الفيديو الذي أرسل للمهرجان تضمن بروفة العرض "جنرال" وليس العرض المتكامل.
وأشار "الزاقوت"، وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق عام 2003، إلى أنه كتب المسرحية مع الفنانة "أمل عمران" بالاعتماد على مذكرات لها تمت صياغتها من جديد لتتلاءم مع القالب المسرحي.
وأبان "الزاقوت" أن العرض المسرحي يعالج المجتمع الذكوري البطرياركي السلطوي بشكل أو بآخر ويحمل في ثناياه تساؤلات عمن خلق الديكتاتوريات ودور المجتمعات العربية في خلقها.
تتحدث مسرحية "يا كبير" التي قُدمت على خشبة المسرح البلدي في تونس منذ أيام عن ضابط مخابرات كبير تابع للنظام السوري تغمّست يداه بدم الأبرياء يُقتل في ظروف غامضة، وبعد وصول خبر مقتله إلى ابنيه (شاب وفتاة) الموجودين في المنفى تسود حالة من الشك باحتمال أن يكون موته نتيجة تصفية مقصودة من قبل النظام.
وتحاول الفتاة أن تقنع شقيقها بالذهاب إلى سوريا للمشاركة في تشييع جنازته، فيرفض وتتداعى صور الماضي بينهما وطبيعة علاقة الشقيقين مع والدهما القاتل والقتيل في آن معاً.
وتظهر المسرحية أبعاداً مختلفة لهذا الأب وصولاً إلى اكتشاف الفساد أو العفن الداخلي الذي يتغلغل في الماضي لد رجة أن الأخ يُصاب بلوثة جنون ويغتصب شقيقته تمهيداً لانتحاره وحينها تقتله وتقتل نفسها.
ولفت محدثنا إلى أن مسرحيته تشبه إلى حد ما الحالة السورية وحالة التوحش التي نعيشها، وكذلك حالة العنف المنقطعة النظير ومحاولة توريط الناس العاديين بالدم، مشيراً إلى أن مسرحية "يا كبير" تنتمي للعروض التراجيدية وقد تكون نهايتها صادمة، ولكنها ليست عرضاً سهلاً -حسب قوله- بل تشبه إلى حد بعيد ما يحدث الآن في سوريا.
وحول مشهد تعري الممثل الذي أثار ضجة بين جمهور المسرح والسوشيال ميديا أشار "الزاقوت" إلى أن هذه الضجة ليست بمستغربة ومما يحز في النفس -كما يقول- أننا لازلنا نهتم بعري الجسد ونتناسى كل صرخات الألم والمصائب التي نعيشها، وهذا العري أمام العالم كله.
وعبّر محدثنا عن استيائه من المبالغات والجدل الذي أحاط بالعمل الذي قدمه، مشيراً إلى أن المسرحية قُدمت على هذا النحو في العديد من المسارح العالمية من قبل ولن يتم تغيير شيء فيها باعتبار أننا -كما يقول- خسرنا كل شيء، ولم يعد هناك ما نخسره.
وتابع أن الممثل يصل في دوره إلى مرحلة أشبه بالجنون والهستيريا ويلجأ لتكسير المسرح ذاته وهي حالة تسبق حال العري، وأردف أن الكثيرين ممن تابعوا أو علقوا على المسرحية حاولوا اقتطاع هذا المشهد من سياقه العام، فالمعنى أكبر من العري والسطحية في التناول.
وكشف "الزاقوت" أن العرض سيتم تقديمه على أحد المسارح في كندا، نافياً احتمال عرضه مرة أخرى في البلدان العربية بعد الصدمة التي أحدثها، خاصة أنه يدين بشكل مباشر الأنظمة الديكتاتورية والعنف والحد من التعبير عن الرأي، ويدين في الوقت ذاته المجتمعات العربية والديكتاتوريات القابعة في دواخلنا، لافتاً إلى أن التعليقات والجدال الذي أعقب عرض العمل دون رؤيته يحملان بحد ذاتهما كماً كبيراً من خطاب الكراهية والإقصاء ومصادرة للرأي، وهذا ما يتحدث عنه العمل بالضبط.
الممثل "حسين مرعي" الذي أدى الدور الإشكالي أشار في لقاء مع "زمان الوصل" إلى أن هذا العمل المسرحي تم إنتاجه من قبل مسرح ألماني اسمه "RuherTheate,A.D.r"، منذ سنة وتم عرضه خلال هذه السنة في عدة مدن ألمانية.
وأضاف "مرعي" أنه دخل مع زميلته الممثلة "أمل عمران" في بروفات دون نص مسرحي جاهز، مضيفاً أن المخرج "الزاقوت" اعتمد على مذكرات "أمل" كأرضية للبدء بالبروفات، كاشفاً أن فريق العمل أمضى ستة أسابيع في التدريب والاختبار على مبدأ التجريب، وخلال هذه الفترة نضج النص وعمل الممثلين والإضاءة والموسيقى وتصميم الديكور و"فيجوال آرت" كله ليخرج العرض المسرحي بشكله المتكامل.
"مرعي" لفت إلى أن الشخصية التي أداها هي شخصية ليست "عصابية" كما يتبادر للذهن بل شخصية فنان (رسام تشكيلي) هادئ على عكس ما تمنى له والده الضابط في النظام والذي وقف ضد ثورة الشعب السوري، وساهم في قتل الناس، أن يكون شاباً مُهاباً وذا سلط مثل أبيه.
وأضاف محدثنا أن ابن الضابط لم يرغب في ذلك بل وقف إلى جانب ثورة شعبه، وتمّت ملاحقته وتمكّن من الهرب إلى ألمانيا، وهناك حصل على منحة لمدة سنة، في تلك الأثناء جاء خبر "وفاة الأب" وقررت أخته العودة من مغتربها في فرنسا لحضور جنازة والدها، الذي تربطها به علاقة مُعقدة.
وتابع أن الأخ دعاها لزيارته قبل سفرها ليقنعها بالعدول عن هذا الفكرة المجنونة، ولكنها تُصرّ على العودة ويعيش الشقيقان ذكريات طفولتهما معاً.
وفي لحظة ما تشتهي الأخت أخاها وهذا ما يُفجّر المسكوت عنه، فتبدو العائلة كم هي مُتفسخة ومُفسدة، يغتصب أخته فتقوم بقتله، في إشارة إلى قتل رمزية "يا كبير".
وأوضح الممثل الشاب أن العمل يحاول من خلال تناول عائلة من صُلب النظام طرح أسئلة لعلها تجد إجابات عن ماهية النظام والسلطة. الديكتاتورية. السلطة الأبوية (بدءاً من ربّ الأسرة وصولاً إلى الديكتاتور والميليشيات الإسلامية) وكل من يمارس سلطة القهر والإذلال على أعزل أو أضعف، والسؤال الكبير-حسب قوله- : هل الديكتاتور هو من صنع (أفسد- سرطن) العائلة أم العائلة هي من أنتجت الديكتاتور.
وحول اتهام إدارة مهرجان أيام "قرطاج" المسرحي له بالإخلال بالعقد الاحترافي المهني حسب تفاصيل العرض المقدم رد "مرعي" أن فريق المسرحية يقدم فناً والفن لا يمكن قولبته أو ترويضه حسب الرغبة، منوّهاً إلى أن إدارة المسرح في ألمانيا قامت بإرسال المسرحية مُصورة في مرحلة البروفات إلى إدارة المهرجان في تونس وحين صار العرض المسرحي جاهزاً قدمناه للجمهور.
"يا كبير" هو العمل الثاني للفرقة المسرحية السورية "مقلوبة"، التي تضم المخرج رأفت الزاقوت (يقيم في برلين/ ألمانيا) والممثلة وكاتبة السيناريو "أمل عمران" (باريس)، والممثل حسين مرعي (برلين)، والكاتب مضر الحجي (برلين).
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية