أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قانون الإرهاب واستحداث جرائم غير مسبوقة... المحامي سليمان النحيلي*

القانون يعاق على التفكير في اقتراف جريمة - ارشيف

لا شك أنّ التغيير والتجديد نحو الأفضل من سنن الحياة على المستويين الفردي والدولي.

وفي العصر الحديث بات من مسؤوليات الحكومات في خططها وبرامجها أن تنحوَ ذلك النحو في المجالات كافة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والقانونية، وذلك بهدف الوصول إلى درجات أعلى من القوة والمنَعَة، وتوفير مزيد من العدالة الاجتماعية وتكريس حريات مواطنيها وكرامتهم الإنسانية.

ومن الناحية القانونية، فإنه من المفترض بأي دولةٍ عند تعديل قانونٍ قديمٍ، أو سنِّ قانونٍ جديدٍ أن تنشد من ذلك ما هو أفضل وأصلح للفرد والمجتمع.

وتطبيقاً لذلك فإنه من بابٍ أولى المحافظة على "المواقع القانونية المكتسبة" للأفراد، فلا يجوز مثلاً أن يصدر قانونٌ جديدٌ ينسف قانوناً قائما نصَّ على حماية المواطنين من التوقيف التعسفي، أو حفظَ حقهم في التعبير عن الرأي.

وعندما أصدر النظام السوري -الذي يسيطر على الدولة ومؤسساتها ومنها التشريعية- قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012، استحدث ثلاث جرائم جديدة لم تكن موجودة سابقاً في أيٍّ من القوانين الجزائية السورية المعمول بها منذ فجر الاستقلال، وهذه الجرائم تشكّل مخالفةً للقواعد الدستورية ولأبسط مبادئ العدالة.

فما هي هذه الجرائم الجديدة، وهل حقّقت الغاية المفترضة من التغيير بالحفاظ على المواقع الحقوقية المكتسبة للمواطنين وإنجاز ما هو أفضل وأصلح، وما هو السبب الكامن وراء هذا التغيير؟

ولا ضيرَ من نبذةٍ عن هذه الجرائم المستحدثة:
1 - جريمة التفكير في اقتراف جريمة: لقد عاقبَ قانون مكافحة الإرهاب بالحبس مع الأشغال الشاقة من 3 حتى 15سنة على المؤامرة التي تهدف إلى ارتكاب جناية من الجنايات المنصوص عليها في هذا القانون، وبالتالي فإنه عاقبَ الإنسان حتى على تفكيره ونواياه دون توفر أفعالٍ مادية تؤيد الملاحقة والعقاب.

ومن المسلّم به قانوناً أن النية أمرٌ ذهنيٌ باطنيٌ لا يُستدلّ عليه إلا بنشاطات أو أعمال مادية ملموسة، فتعدد الطلقات التي أصابت جسد المجني عليه دليلٌ على نية القتل العمد لدى الجاني، وإطلاق النار في الهواء دليل على رغبته بإخافة الشخص الآخر فقط دون النية بإزهاق روحه.

وللأسف تغصّ محاكم الإرهاب في سورية بآلاف المتهمين جرّاء تطبيق هذا الجرم المستحدث، فعلى سبيل المثال: تمت ملاحقة ثلاثة أشخاص بجرم الإرهاب لمجرّد تشاورهم بشأن الهجوم على أحد حواجز النظام العسكرية دون أن يتعدى ذلك مرحلة التفكير والتعبير عن مشاعر الغضب من ممارسات ذلك الحاجز الجائرة، فلم يراقبوا الحاجز وتحركات عناصره ولم يؤمنوا السلاح اللازم ولم يضعوا خطةً للهجوم، بل عبروا عن رغبات ونوايا ومشاعر، وقد اكتشفت هذه النية إثر اعتقال أحدهم بعد فترة طويلة من ذلك الاتفاق الذي لم يُنفذ، وباعترافاته المنتزعة منه تحت الإكراه والتعذيب.

إن معاقبة القانون الناس وفقاً لتفكيرهم ونواياهم أمر مخالف لأبسط قواعد العدالة، ولا ندري فلربما سخّر النظام لكل شخصٍ في سورية ملاكين عن يمينٍ وعن شمالٍ يراقبان نواياه؟! 

2 - جريمة استخدام وسائل التواصل الإلكتروني:
وهي من الجنايات الجديدة التي زجّ بها المشرّع السّوري في قانون الإرهاب، حيث تصل عاقبَة من أَدارَ أو استعمل موقعاً إلكترونياً بقصد الترويج للأعمال الإرهابية بالحبس مع الأشغال الشاقة المؤقتة من 3 حتى 15 سنة.

وربما تجلو لنا حقيقة تجريم هذه الأفعال وتشديد عقوبتها إذا علمنا أنه كان لهذه المواقع الإلكترونية وللناشطين عليها الفضل الأول والأهمّ في إيصال صوت الثورة السورية منذ اليوم الأول إلى العالم، وفي فضح ممارسات النظام القمعية ضد المتظاهرين، لا بل في أحيانٍ كثيرة كانت تنقل الحدث مباشرة بشكلٍ حيٍّ الأمر الذي أقضَّ مضاجع النظام وأوقعه في حرجٍ عظيم وجعله يفقد صوابه، فكان الناشطون على هذه المواقع هم العدو رقم (1) بالنسبة للنظام.

ومن الطبيعي أنّ تجريم إدارة واستعمال هذه المواقع معناه السماح لأجهزة النظام الأمنية بالمتابعة والمراقبة المسبقة لها من أجل تمييز الإرهابي من غيره ، وبالتالي يعتبر ذلك تقييداً لحرية التعبير والرأي التي صانتها القوانين وشرائع حقوق الإنسان.

3 - كتمان العلم بجريمة وعدم إخبار السلطة بها:
وتعتبر هذه الجريمة من غرائب الجرائم التي استحدثها قانون مكافحة الإرهاب، حيث عاقبت بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل شخص سواء كان سورياً أو أجنبياً مقيماً على الأرض السورية إذا علمَ بإحدى الجنايات المنصوص عليها في قانون الإرهاب ولم يخبر السلطة عنها وتعتبر هذه الحالة سابقة خطيرة في تاريخ القوانين الجزائية السورية، فلو وافقنا فرضاً على جواز تطبيق هذه المادة على المواطن السوري، فما ذنب الأجنبي المقيم في سورية الذي اتخذ موقف الحياد أن يُلاحقَ كإرهابي ويُحكم بالسجن لثلاث سنوات.
ومن ناحيةٍ أخرى، كيف يمكن قانونا إثبات علم الشخص بوقوع الجرم حتى يمكن ملاحقته على كتمان العلم به وعدم إخبار السلطة عنه.
إنّ من الواضح أن النظام يهدف من إقحام هذه المادة في القانون إلى أن يجعل كل من هو مقيم على الأرض السورية سورياً كان أم أجنبياً إنساً أم جاناً مخبراً لصالح النظام.

إنّ تلك النبذة التي قدّمناها عن الجرائم الجديدة في قانون الإرهاب، تجعلنا واثقين أكثر بأنّ هذا القانون هو قانونٌ بوليسيٌّ صَرْفٌ، صُنع َ حبرهُ في الفروع الأمنية، وليس قانوناً حقوقياً، حيث انصرف إلى تجريم ومعاقبة المرء على نواياه وأفكاره أكثر من اهتمامه بحريته، وضمان محاكمةٍ عادلةٍ له.

وعليه فإنه يمكننا التأكيد بأن من يقف وراء استحداث هذه الجرائم هو السياسة الجنائية والعقابية لواضعي هذا القانون، والتي ظهر أن هدفها هو توسيع دائرة الاتهام والعقاب بحيث تشمل أكبر قدرٍ ممكنٍ من الأفعال والنشاطات وعدم السماح بإفلات أي معارض من العقاب، وبالتالي فإنه من الطبيعي لنظامٍ يملك زمام كل المؤسسات في الدولة ومنها التشريعية أن يأتي قانون الإرهاب موافقاً لتوجهاته وسياسته القائمة على تجريم الثورة والثوار ونعتهما بالإرهاب كي يتمكن من معاقبة أي شخصٍ مؤيد للثورة، وبما أن النظام يمتلك القلم فمن الطبيعي أن لا يكتب نفسه بين الأشقياء.

وختاماً، يذكرنا الأسلوب الذي اتبعه النظام في سنّه وصياغته لمواد قانون مكافحة الإرهاب بقصد مواجهة الشعب السوري الثائر بذلك الخيّاط الذي فصّل ثوباً لأحد زبائنه، تبيّن عند قياسه أنه ضيّقٌ عليه، فكان أن ترك الخياط الثوب وعمدَ إلى الزبون يسلخ من جلده ما يجعله مناسبا للثوب.

*من كتاب "زمان الوصل"
(165)    هل أعجبتك المقالة (170)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي