لعل أكبر أمنية يتمناها المرء في زمن الحرب، هي رؤية نيران المدافع هامدة، وأن يعم الصمت في كل مكان بعد الضجيج الكبير الذي تحدثه الآلة العسكرية، ومن أجمل المشاهد على الإطلاق؛ سنبلة قمح تنمو في فوهة مدفع مهجور، بات غير قادر على نشر الموت ورائحة البارود كما كان وكما أريد له من قبل صانعيه، هذه النزعة المثالية أصبحت واقعا بسواعد عشاق الحرية في سوريا، الذين صنعوا من جحيم الموت حياة، ليقولوا لجلادهم إن إرادتهم أقوى من جميع رغباته ووسائل قتله التي حكم بها على الشعب.
لسنين طويلة كانت أرض (اللواء 52) منطلقا لنشر الموت ورائحة البارود في كل أرجاء ريف حوران الشرقي، إذ طالت صواريخه وقذائفه جميع القرى والبلدات، ومنذ أن أعلن عن تحريره تغيرت المعادلة وانقلبت الأحوال بشكل جذري، حيث عادت المساحات الكبيرة مترامية الأطراف لأراض زراعية مخصصة للقمح والشعير والبقوليات بمختلف أنواعها.
الحاج "سمير السلامات" قال لـ"زمان الوصل" إن "النظام انتزع هذه الأراضي من أصحابها بالقوة، ومن دون إرادتهم، مدعيا بأن هذه الأراضي ستكون للجيش السوري الذي يدافع عن البلاد ويقف في وجه المحتل الإسرائيلي، ولكن طوال الفترة التي تواجد فيها اللواء في هذه المنطقة لم يطلق شيئا على إسرائيل بل كانت صواريخه وقذائفه موجه لأهالي المنطقة الشرقية التي حول غالبية منازلها إلى دمار وخراب".
وأضاف: "النظام سعى لتدمير الزراعة في المنطقة الجنوبية، من خلال سلب المزارعين أراضيهم وتحويلها لقطع عسكرية، حتى من دون تعويض، فعلى أرض حوران تتواجد عشرات القطع العسكرية، مثل (اللواء 60، واللواء 12، واللواء 38، واللواء 82، واللواء 15، اللواء 34، واللواء 32، والفرقة التاسعة، والفرقة الخامسة، وعشرات الكتائب والأفواج) وكل ذلك كان على حساب الزراعة والأرض الخصبة التي قد تكفي سوريا من محصولها".
وفي التاسع من حزيران يونيو عام 2015، تمكنت فصائل المقاومة السورية خلال معركة "القصاص للشهداء" من تحرير "اللواء 52" الذي يعد ثاني أكبر لواء في سوريا بعد "اللواء 61" الواقع في ريف درعا الغربي والذي تحرر في بداية العام ذاته.
الإعلامي "أيهم كسابرة" اعتبر بأن مساحة اللواء الكبيرة (150 دونما) والممتدة بين بلدات (رخم – الكرك الشرقي – الحراك – المليحة الغربية) لم تكن وحدها خارج حدود الزراعة، بل تعدت ذلك بكثير، حيث منع جنود الأسد، المزارعين من زراعة أراضيهم المحيطة باللواء، وكانوا يقتلون أو يعتقلون كل من يجرؤ على الذهاب إليها.
وأشاد "كسابرة" بنوعية المحاصيل التي تنتج عن أرض اللواء سواء كانت قمح وشعير أو عدس وجلبانة، مطالبا في الوقت ذاته بتكرار التجربة على جميع القطع العسكرية المحررة في حوران.
بدوره قال المهندس "إبراهيم الحريري" لـ"زمان الوصل" إن أرض اللواء كسائر الأرض الحورانية خصبة، يضاف إلى ذلك أنها وبمصطلح المزارعين المحليين "غشيمة" أي "بكر" ذات خصوبة عالية لأنها "مرتاحة" ولم تزرع منذ زمن طويل"، متوقعا موسما جيدا من أرض هذا اللواء أفضل من الأراضي المجاورة التي أنهكت في السنين الماضية بالمواسم الصيفية البعلية والمروية.
وشجع "الحريري" على زراعة اللواء بشكل مستمر وذلك بهدف وقف زحف التصحر، والاستفادة من المحاصيل التي يجنيها في رفع حدة الحصار الذي يفرضه الأسد على المناطق المحررة.
ورأى الحريري أن هذه الأفعال تظهر مدى انتصار الشعب على النظام الدموي، الذي أراد أن يحول سوريا لدولة بوليسية لا تعرف إلا لغة السلاح والبوط العسكري، إلا أن المدنيين أظهروا مدى حبهم للحياة والنهوض بوطنهم والاعتماد عليه وعلى ثرواته.
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية