بالأمس، وخلال حديث طويل بين سوريين "مقيمين" بتركيا، طفا رأي عدم العودة لسوريا، وإن توصّل المجتمع الدولي لحل سياسي ترقيعي، يعيد خلاله بشار الأسد وإن لأجل أو يحرف الأسباب التي دفعت سوريا والشعب لهاهنا، وكأن مشكلة سوريا كانت بالدستور.
أو حتى، وإن أصرّ مرشحو الرئاسة بتركيا، على "طرد" السوريين، بعد أن غدا السوريون بتركيا، ورقة انتخابية تتاجر بها المعارضة، لتكسب أصواتاً واستعطافا من بعض الناخبين، وتتهمهم برفع نسبة البطالة واستنزاف خيرات البلاد.
إذ عاود مرشح حزب الشعب الجمهوري أمس "محرم اينجه" العزف على وتر "السوريين" وأن بلاده أنفقت عليهم 40 مليار دولار وأنه بتلك المليارات قادر أن يبني 2 مليون مسكن للأتراك.
ليتقدم بالاتهامية على مرشحة حزب الجيد "ميرال اكشنر" التي اتهمت السوريين الأسبوع الفائت، برفع نسبة البطالة، وأنها ستعيدهم ليفطروا مع أهلهم بسوريا خلال رمضان المقبل.
بيد أن كل تلك "التهديدات" لم تغيّر من موقف السوريين بتركيا، بل يستمر "المزاج العام" للسوريين، بأن لهم بتركيا أكثر مما تبقى لهم بسوريا، ولهذا "الموقف" ماله من وجع وخيبة.
قصارى القول: لو سألنا أي سوري مقيم بأوروبا، غادر سوريا لسبب أو لآخر، هل ستعود لسوريا إن توصل "الأوصياء" إلى حل.
نعتقد أن 95 % على الأقل، سيقولون "لا" إن بقيّ نظام الأسد بالسلطة.
وربما لا يقل عن 80%، سيقولون "لا" حتى وإن سقط بشار الأسد وتخلخل نظامه الأمني.
وتنقص هذه النسبة قليلاً، لمن هم بدول الجوار "العربية" نظراً لمستوى "الذل والحرمان" الذي يعانون، إن بالمخيمات أو بين "الأشقاء" الذين وجدوا بـ"لحومهم" وجبات محللة.
وأنا إن قلبنا المعادلة وسألنا من هم بسوريا الآن، هل تغادر سوريا إن أتيحت لك الفرصة لتقيم بأوروبا أو الأمريكيتين أو تركيا، فربما لا تقل نسبة من يرغب بالهجرة، عن 60 % من الشعب الذي يعيش بكنف دولة الممانعة وتحت سقف الوطن.
أمام هذا الرفض "افتراضيا وتخمينا إذ لم نقم باستطلاع أو بحث عملي" أي سوريا يمكن الاتكاء عليها مستقبلاً، وأي شعب سيبقى فيها أو سيعود، ليتابع بناء الإنسان قبل الحجر ويعطي بعض أمل للأجيال، كما حدث خلال تخريب ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية أو اليابان أو أي مثال استفاد من الحرب وأقلع بعدها.
نهاية القول: ربما لا حصر للمخاطر التي تحيق بسوريا والسوريين اليوم، والتي-المخاطر- إن بدأت من ملامح إعادة إنتاج النظام القاتل لا تنتهي عند سرقة المقدرات ورهن الثروات واقتسام المحتلين، للنفوذ على الأرض.
بيد أن الخطر الأكبر على ما نعتقد، يمكن بتعايش من غادر سوريا بموطنه الأصلي، واستساغته "العيش الكريم" وتمتعه بحقوق المواطنة، والتي لم يعرفها بسوريا، على الأقل منذ نصف قرن.
ويتبع "التعايش" أن جل السوريين، بدؤوا يؤسسون بمهاجرهم، لبقاء دائم وحياة أبدية، فمن لديه مال استثمر ومن لديه مهنة أسس من جديد ويحاول البقية الاندماج، عبر عمل وتعلم لغة، أو الاستسهال والاعتماد على "إعاشة" الأوروبيين.. وهم قلة وهذا أضعف الإيمان.
أمام هذا المشهد المرعب، يتوثب على الشفاه سؤال، أي سوريا بقيت دون سوريين، وأي وطن يمكن التعويل عليه بواقع أربعة محتلين، وأي أجيال يمكن التعويل عليها...بواقع نسيان أطفالنا للغة العربية وبدء تعلم تاريخ ولغة "أوطانهم الجديدة".
واقع الحال بما فيه من تركيب واختلاط وتآمر، بات بحاجة لمعجزات، تأتي على أيدي رجالات دولة، يعيدون الأمل بسوريا المستقبل أولاً ويؤسسون لمؤسسات ثانياً وينفضون عن "وجدانهم" غبار التبعية والاستزلام للدول والممولين...لتبدأ بعد ذلك، مرحلة تحرر وطني.. وإلا، عليك يا سوريا السلام.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية