يحاكي فيلم "الولد والبحر" للمخرج السوري "سامر عجوري" قصة الطفل السوري إيلان الذي قذفته الأمواج على الشاطيء التركي جثة هامدة منذ سنوات، وشغلت صورته العالم برمته، ويروي الفيلم بلغة صامتة حكاية "طفل يحبّ رسم البحر، غطس ذات يوم في أعماقه، على أمل أن يفلت من الحرب والفقر ويجد الرحمة والأمل والسعادة، لكنه علق في دوامة شاشات تلفزيونية، شوّهت صورته وجرّدته من حكايته.
ولم تنته الحكاية عند هذا الحد بل ظلت الصور تتدفّق، وبقي العالم صامتاً يتفرّج"-بحسب ماجاء في التعريف بالفيلم- الذي انسحب مخرجه من المشاركة به في مهرجان قرطاج السينمائي مؤخراً بسبب مشاركة فيلم "مطر حمص" الذي يحتكر وجهة نظر النظام فيما جرى في المدينة المدمرة منذ سنوات.
ولد عجوري في مدينة دمشق وبدأ دراسة الرياضيات في جامعتها ولكنه تركها لدراسة الفنون البصرية الرقمية، غير أن ظروفه لم تسمح بالدراسة فاختط طريقه الفني دون أي قاعدة أكاديمية، وكانت دراسته شخصية وعن طريق التجربة، وساعده في ذلك احتكاكه بفنانين سوريين بداية عمله.
في عام 1996 بدأ الفنان الشاب في مجال الدعاية والإعلان وكانت سوريا آنذاك تشهد بداية حركة صناعة الميديا الرقمية وكان-كما يقول لـ"زمان الوصل"- مهتماً جداً بتعلم تركيب المواد البصرية، حيث تعلّم المونتاج الخطي في البداية، وانتقل بعد وقت قصير للمونتاج الرقمي، وخلال ذلك دأب على تعلم تقنيات مختلفة من الفنون البصرية والمؤثرات المرئية.
وشكّل الفقر التقني دائماً له ولرفاقه من الفنانين الشباب-كما يقول- دافعاً لتعلم تقنيات "مناورة" للوصول إلى تركيب مواد مرئية أفضل بأقل تكلفة من جهة، وأقل إمكانيات من جهة أخرى، وكانت السينما بالنسبة له فناً من الفنون البصرية المفضلة رغم أنه كان بعيداً عن الجو السينمائي، وأقرب منه إلى التلفزيوني والإعلامي بداية والتوثيقي في السنوات الأخيرة.
في نهاية العام 2011 كان التصعيد الأمني في أوجه داخل البلاد وراحت أجهزة النظام تبحث عن كل من يعمل في مجال النشر الإعلامي أو الصحفي أو التوثيقي لتعتقله، ولذلك اتجه عجوري إلى تركيا مؤثراً النجاة بنفسه ليكمل مسيرته الفنية.
شارك عجوري في مجموعة متنوعة من الأفلام، كمساعد مخرج أحياناً أو مونتير وتقني فنون بصرية أحياناً أخرى، وفي عام 2013 أنجز فيلمه الأول "اسمي لام" وهو فيلم قصير من نوع (البروموشن) مع مجموعة "بلاي فاونديشن" من أجل أطفال مخيم الزعتري، وكان الفيلم محاولة لاستخدام مزيج من الرسوم المتحركة اليدوية والرقمية.
وجاء فيلم "الولد والبحر" الذي لم تتجاوز مدته الستة دقائق ليشكل إضافة مهمة في تجربة الفنان عجوري وبدأت فكرته –كما يقول- من محاولته فهم إشكالية الصورة في الحرب, إذ كانت صورة إيلان مثالاً واضحاً جداً عن مأساة طفل مات فيها مرتين، الأولى على الشاطئ والثانية على شاشات التلفزيون، وتزامنت مأساة الطفل الغريق مع بداية كتابة سيناريو الفيلم وكان عجوري وفريق عمل بدايات (المؤسسة المنتجة للفيلم) على يقين بعدم القدرة على طرح أي معالجة لإشكالية الصورة في الحرب بدون أن يتضمن هذا الطرح مأساة ايلان، ولم يكونوا قادرين على الوصول بسهولة لصيغة سردية لأن مأساة إيلان كانت أكبر من أي فلم أو إنتاج إعلامي من جهة، ومن جهة أخرى تحولت قصة الطفل الغريق إلى إنتاج إعلامي على شاشات العالم. ودفعتهم هذه الثنائية من حيث لا يشعرون إلى أن يكونوا– حسب قوله- جزءاً من رواة القصة.
وعن دواعي اتجاهه لهذا النوع من الفن "التحريك السينمائي" أو "الأنميشن"-حسب المصطلح الفني- أوضح عجوري أن "التحريك والرسوم المتحركة سواء كانت يدوية أو رقمية أم مزيجا من الاثنين يوفر له بيئة مناسبة للتعبير والسرد القصصي" لافتاً إلى أن "الأنميشن يملك إمكانيات غير محدودة للخيال ويتيح لصانعيه مساحات أوسع للحرية التي كان يفتقدون لها جوهرياً".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية