وثّق باحث فلسطيني من مخيم العائدين في حمص لقريته "الشجرة" التي تقع بين طبريا والناصرة بالجليل الشمالي، رغم أنه لم يرها من قبل.
وتناول الباحث التراثي "فادي سلايمة" في كتابه "قرية الشجرة الزاهرة" قرية والده وأجداده الواقعة تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي، والتي دُمرت عن بكرة أبيها وهُجر من فيها عام 1948 وأنجبت العديد من أعلام الأدب والفن أمثال الشاعر "علي الأحمد" والفنان الشهيد "ناجي العلي" والشاعر الشعبي "إبراهيم الصالح" (أبو عرب)، كما استشهد فيها الشاعر الشهيد "عبد الرحيم محمود" صاحب قصيدة "سأحمل روحي على راحتي".
ولما حلّت نكبة عام 1948 كان قدر أسرته أن يرسو شراعها التائه في مخيم العائدين بحمص، ذلك المخيم الذي حمل ذكريات لجوء أهله أيضاً كما أغلب أهل "الشجرة".
و"يقف الكتاب في مواجهة عدو يملك ممحاة وقلماً مبرياً، ويحاول يومياً شطبنا من كتب التاريخ ومن خرائط الجغرافيا في معركة الوجود في هذا المكان والزمان" -كما يقول مؤلفه "سلايمة" لـ"زمان الوصل" مضيفاً أن فكرة الكتاب بدأت عام 1995 حين كان لا يزال طالباً في 15 من عمره، وكانت تستهويه –كما يقول- حكايات جده والكبار عن فلسطين و"الشجرة" وأراضيها وكرومها.
ويوضح أن رحيل الكبار واحداً تلو الآخر جعله يشعر أن هذا التاريخ وهذه الحكايات هي "أمانة" لا بد أن يحافظ عليها ويوصلها إلى الأجيال الصغيرة.
وأشار "سلايمة" إلى أنه استمد فكرة كتابه "الشجرة" من ذاكرة الأهل المكلومين، وأخرجها على شكل خطوط غاضبة رسمتها أنامله الصغيرة على أوراقه المدرسية، فبدأ محاولاته الأولى في الكتابة عن قريته "الشجرة الزاهرة"، وحينها أطلع فنان الثور الفلسطينية "أبو عرب" على كتاباته فأيدها وأغناها من ذاكرته المتقدة وكان خير مشجع له في تحمل الظلم والجهل وكل المحبطات والمثبطات.
واعتمد "سلايمة" في جمع مادة كتابه الصادر عن جمعية "السيباط" في "الناصرة" والمدعم بالعديد من الوثائق والخرائط والصور على العديد من المصادر الشفهية على لسان كبار السن من أهالي القرية الذين عاصروا الأحداث.
وكذلك الوثائق والمصادر المكتوبة ومنها –كما يوضح- مخطوطات وكتب الرحالة العرب ووثائق عثمانية حصل عليها من اسطنبول ونشرها لأول مرة في الكتاب ووثائق إنجليزية خاصة في الإحصاء.
كما اطلع مؤلف الكتاب على عدد من المصادر العبرية التي تحاول تزوير تاريخ المكان وفضَحَها، أضف إلى ذلك أوراق ورسائل وصور قديمة كان قد حصل عليها من كبار السن أثناء عمله على هذا المشروع الذي استغرق أكثر من 20 عاماً من حياته.
ودأب "سلايمة" على توثيق الذاكرة الشعبية الفلسطينية والتاريخ الشفهي الفلسطيني وتفاصيل الحياة في القرى الفلسطينية المدمرة عام 1948، فأصدر كتباً أخرى بالتعاون مع مؤسسة "الشجرة" بدمشق، وأشهرها كتاب "دير ياسين القرية الشهيدة" عام 2008ـ إضافة إلى كتاب "قرية حطين ريحانة صلاح الدين" الصادر عن تجمع العودة الفلسطيني (واجب) في دمشق عام 2010 قبل أن يتم تدمير المؤسسة إثر نكبة مخيم "اليرموك".
وكشف محدثنا أنه طلب من مدير المؤسسة "غسان الشهابي" قبل أن يقضي برصاص قناص غادر أن يحفظ مسودة الطبعة الثانية من كتاب "الشجرة" وأن يتابع العمل من بعده إذا لاقى حتفه في حمص، حيث رأى الموت فيها كل يوم طوال أربع سنوات من عام 2011 وحتى عام 2014 تاريخ نزوحه من سوريا في التغريبة الفلسطينية الجديدة، لكن "الشهابي" سبقه إلى ملاقاة ربه، فتطوع عدد من الأصدقاء الغيورون على تاريخ فلسطين لإنقاذ الكتاب وتمت طباعته مرة أخرى في طبعة جديدة معدلة ومنقّحة في قلب الوطن فلسطين في مدينة "الناصرة".
ولفت محدثنا إلى أن الفرصة لم تتح له لزيارة قرية أجداده بسبب الاحتلال والنكبات الفلسطينية المتتالية، ولكنه عاش فيها وفي باقي أنحاء الوطن السليب رغم ابتعاده عنها بالمكان، ومشى في دروبها وعرف الشجر والحجر من خلال عيون أهله ودموع أجداده وحكاياتهم، مشيراً إلى أن حلمه الأول والأخير هو العودة إلى فلسطين وأن ينتهي هذا الشتات الذي أصبح -حسب قوله- أكثر خطورة بعدما شهدناه مؤخراً من أحداث مؤسفة ومشاهد مؤلمة من "النكبة الفلسطينية الثانية والتغريبة الفلسطينية الثانية" من سوريا التي تتشابه في تفاصيلها مع ما شهده أهلنا في "النكبة والتغريبة الفلسطينية الأولى" عام 1948.
يُذكر أن الكاتب "فادي سلايمة" ينحدر من قرية "الشجرة" الزاهرة وهو عضو في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين بسوريا ومسؤول قسم الدراسات في مؤسسة "أجيال" للتوثيق والدراسات بأوروبا.
ويعكف "سلايمة" الآن على الكتابة عن قرى سهل "الحولة" الفلسطيني بالتعاون مع الكاتب والباحث "أحمد الباش" مدير مؤسسة "أجيال" للتوثيق والدراسات في السويد لافتاً إلى أن عدد القرى المدمرة في فلسطين تفوق 400 قرية.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية