طال قلعة "حارم" الواقعة في الشمال الشرقي من محافظة إدلب خلال السنوات الماضية مثل غيرها من الأوابد السورية الكثير من التخريب والتهديم الذي أصاب بعض المداميك في جدران الجهة الشمالية والجنوبية، عدا إغلاق المنافذ السرية المؤدية إلى القلعة بالحجارة الكبيرة، وسرقة معدات التنقيب وأدوات الرفع مع محركاتها من المستودع الرئيسي للقلعة.
كما بنيت غرفة من اللبن على سطح القلعة لتستخدم كدشمة لقوات النظام حينما كانت تحت سيطرتها، وبموازاة هذه التخريب لحق بالقلعة أضرار أخرى تمثلت في النهب الممنهج لآثارها المدفونة سواء في فترة سيطرة قوات النظام عليها أو بعد تحرير المدينة، حيث تحولت القلعة التي تعود إلى العصر الروماني إلى هدف مباشر للاشتباكات عام 2013 وحوصرت لعدة شهور وجرت أكثر من محاولة لاقتحامها مما جعل الأمر ممهداً للاستفادة من الفوضى الحاصلة.
وتألفت منذ سنوات لجنة للتحقيق بالأضرار التي لحقت بالقلعة سواء من خلال التهديم أو النهب.
القاضي "محمد نور حميدي"، الذي كان يتولى رئاسة النيابة العامة في إدلب قبل انشقاقه روى لـ"زمان الوصل" أنه أسس مع عدد من القضاة والمحامين بعد تحرير مدينة "حارم" من سيطرة النظام عام 2012 محكمة مستقلة تولت التحقيق في أعمال النهب التي طالت قلعة "حارم" والقطع الأثرية التي تم سرقتها لدى انسحاب الجيش ودخول الثوار إليها، وجرت مهمة التحقيق بسلاسة، إذ كانت المحكمة التي أنشئت وبقيت على مدار سنتين -كما يقول- فاعلة ومؤثرة ومدعومة من الجيش الحر إلى أن أتى تنظيم "الدولة" وأغلقها.
ولاحظ "حميدي" أن النهب لم يقتصر على القلعة، وإنما شمل العقارات والأراضي الزراعية في "حارم"، وخاصة في مناطق سيطرة النظام التي تحمل طابعاً أثرياً.
وأضاف بأنه تم التنقيب فيها وسرقة آثارها الدفينة لتُباع بمليارات الدولارات، مشيراً إلى أن "هذا العمل تحول بعد التحرير في المنطقة المحررة إلى تجارة رائجة، وخصوصاً أن الحدود التركية على مسافة 900 كم كانت مفتوحة".
والأمر الخطير -حسب حميدي- أن التنقيب عن الآثار كان لا يزال يتم في وضح النهار دون وجود أي قوة رادعة أخلاقياً أو أمنياً، فكل الأماكن مستباحة بشكل مطلق، موضحاً أن النهب "كان يتم بشكل إفرادي بمشاركة مسؤول القلعة والمتنفذين والضباط ولا يمكن تحديد كمية ما تم نهبه وخاصة أن هناك تهديماً طال القلعة وكان هذا التهديم متعمداً لإخفاء الحقيقة.
"حميدي" أشار إلى تورط عدد من ضابط جيش النظام في هذه الأعمال المشبوهة ومنهم العميد "نزار كاسر سليمان" الذي كان مسؤولاً عن قلعة "حارم" بحكم تمركزه فيها وباع وهرّب عشرات القطع الاثرية التي تم تنقيبها في أرض القلعة، وأثرى من خلالها قبل أن يتم تهريبه عن طريق بعض العملاء من القلعة التي لم تكن تبعد أكثر من 2 كم عن الحدود التركية عن طريق معبر "كسب" إلى أن وصل إلى بلدته القرداحة.
وأبان أن "الفلتان الأمني وانعدام الرقابة وسهولة العبور عبر الحدود بين سوريا وتركيا ولبنان والعراق ساعد في نقل الكثير من القطع الأثرية وتهريبها خارج البلاد".
ووجه "حميدي" نداء إلى كافة الفصائل المسيطرة على محافظة إدلب وفي كل المناطق المحررة والمحاكم الشرعية لاتخاذ تدابير عاجلة وملاحقة ومحاسبة كل المتورطين ومن يثبت أن له علاقة بالتنقيب عن الآثار وإرسال دوريات يومية لتعقب وتوقيف الأشخاص المشبوهين وأغلبهم معروفون بالمتاجرة بالآثار "لإيقاف هذه المهزلة التي تحدث في المناطق المحررة".
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد دقت ناقوس الخطر وأعلنت أن عمليات التنقيب عن الآثار تجري في أنحاء متفرقة في سوريا وفي مواقع أثرية مهمة، وأن بعض المواقع الأثرية دُمّرت أو نهبت بالكامل، ووصفت هذه الأعمال بالخطيرة والمدمرة للتراث الثقافي السوري.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية