
بين فدوى وأسماء.. إسدال الستار عن الطائفية

متر من القماش فقط هو ذلك الحد الفاصل بين الثائرة الحرة الراحلة "فدوى سليمان" والداعية الدعية "أسماء كفتارو"، متر كان كافيا وهو ينسدل كستار أرجواني من أمام فدوى، ليعطيها دور البطولة المطلقة في أهم وأقوى عروضها المسرحية في تاريخ الثورة السورية، عندما وقفت شامخة أمام حشود الثائرين في ساحات أحياء الخالدية والبياضة الحمصية لتهتف بملء حنجرتها بسقوط نظام الممثل "الكومبارس" بشار الأسد.
أداء فدوى التي خلعت عنها وزر "طائفيتها" وطائفتها منذ انطلاقة الثورة في العام 2011 لم يرق للكثيرين الذين عابوا عليها، وهي سليلة الطائفة "العلوية الكريمة" التي اختطفها حافظ الأسد ووريثه بشار، لم يرق لهم أن تأخذ هذا الاصطفاف العبثي الجديد إلى جانب من أسموهم بالإسلاميين والتكفيريين والمتشددين والطائفيين.
اصطفاف لم تتردد كثيراً في تبريره قائلة:
"أنا لا أنتمي إلى أي طائفة، أنا أنتمي فقط إلى الشعب السوري وإلى سوريا، وإن السوريين لا ينتمون لأي طائفة، والشعب السوري ليس طائفيا بل النظام هو الطائفي"، معتبرة أن "الديكتاتورية لا دين لها ولا طائفة، الشعب السوري هو وريث المدنية والحضارة، وثورته ستنجح رغم تآمر الساسة عليه".
فدوى التي تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق والتحقت بدورة للإخراج المسرحي في فرنسا، لم تقابل بالتصفيق من أبناء جلدتها (داخل الأفرع الأمنية)، وهي تؤدي دورها المتميز والتاريخي إلى جانب أبناء وطنها في تعبيرهم عن عشقهم وأملهم في الحرية، بل قوبلت كما قوبلوا برشقات الرصاص والتهديد بالتصفية والقتل لإسكات صوتها المجلجل في ساحات حمص وأحيائها الثائرة، جنباً إلى جنب الناشط المميز "عبد الباسط الساروت"، ما جعلها تختار أمر طرق النجاة وأكثرها وجعا، وهو مغادرة بلدها اللجوء إلى فرنسا هربا من بطش ودموية عناصر وشبيحة طائفتها الذين شددوا عليها الخناق.
في المقلب الآخر كان ثمة "لوبي نسائي" سوري جديد قد أخذ في التبلور، ومسرحية هزلية ركيكة قد أخذت طريقها إلى العرض أبطالها داعيات و"دعيات" على المسرح والدين واللاتي خرجن تحت اسم المعارضة السورية لتصحيح فهم الشريعة وعقيدة الثائرين التي صورها إعلام النظام على أنها جعلت منهم أكلة للحوم البشر.

"أسماء كفتارو" أو كما تطلق على نفسها الداعية السورية، كانت من بين من أقحمن أنفسهن داخل خشبة المسرح ليفرضن ذواتهن على المشهد السوري.
أسماء تقول بأنها نشأت في بيئة متدينة ومحافظة قد فهمت من خلالها أصول وقواعد الدين الإسلامي بمبادئه الإنسانية والحضارية.
ربما هو ذاته ذلك الفهم الذي قادها لترفع وبكل صفاقة وخيانة علم النظام السوري القاتل بعد ست سنوات من ادعائها المعارضة، ونفاقها الثوري الفاضح، وربما هو ذاته الذي عاد وأجج رغبتها في العودة إلى حضن الوطن.
متر من القماش فقط، هو ذلك الحد الفاصل بين الثائرة الحرة الراحلة "فدوى سليمان" والداعية الدعية "أسماء كفتارو"، متر كتب له الحصول على شرف أن يكون كفنا لجسد فدوى الحرة وأن يرافقها وهي تغادرنا وحيدة غريبة في منفاها بعيدة عن أهلها ووطنها.
ومتر يغطي عورة داعية أجادت في تمثيل المعارضة والوطنية وكانت نهايتها سبية تاريخية في حضن وطن قتل أبناءه وشرد منهم من شرد واعتقل من اعتقل، شتان بين النهايتين، نهاية الأحرار في منافيهم، ونهاية الخانعين الصاغرين المرتدّين إلى حضن الوطن.
عبد الحفيظ الحولاني -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية