الكاريكاتير اختزال حَدْسِي، كما هو في الشكل اختزال عبر الخط، ورسام الكاريكاتير السوري "أبو النور السوري" فنان جمع بين طرفي المعادلة من خلال أعماله التي حملت سمة التبسيط النابعة من ميله للتجريد والتكثيف وفي الوقت ذاته تنطق هذه الأعمال بالعمق والشفافية والقدرة على التأثير والولوج إلى أعماق المتلقي لاستثارة تفكيره وتحريضه على التفاعل والتغيير.
كانت بداية علاقته مع الكاريكاتير في مرحلة الدراسة الجامعية وحينها -كما يقول لـ"زمان الوصل"- أراد انتقاد طريقة عمل النظام التعليمي والتصرفات الديكتاتورية التي يقوم بها بعض الموظفين وأعضاء الهيئة التدريسية، مشيراً إلى أن "هذه كانت الطريقة الوحيدة المتاحة في ذلك الوقت لرفض الواقع المفروض علينا وانتقاد سلبياته".
وتناولت رسوم "أبو النور" تلك المرحلة بعض القضايا السياسية كالقضية الفلسطينية والاحتلال الأمريكي للعراق، ولكنه توقف عن الرسم بعد التخرج بسبب انشغاله بالعمل الذي كان بعيداً عن الفن، واستمر ذلك حتى انطلاق الثورة، وكان -كما يقول- يحلم باللحظة التي يثور فيها الشعب على هذا النظام المجرم طوال حياته لكنه كان على يقين بأن الثورة لن تنطلق بسبب تنظير المفكرين أو تنظيم من قبل فئة أو جماعة، ولكنها ستكون ردة فعل مفاجئة لن يتوقعها أحد على التناقضات التي يعيشها المجتمع.
وأكد أبو النور أنه دعم الثورة ماديا ومعنوياً حينما كان في سوريا بشكل سري ودون أن يكون مكشوفاً للنظام، مشيرا إلى أنه كان مدركاً في الوقت نفسه بأهمية فن الكاريكاتير في تدمير جدار الخوف الذي بناه النظام وهالة القدسية التي أحاط نفسه بها، ولكنه كان على يقين أن أول رسم كاريكاتوري انتقد به النظام سيودي به إلى الاعتقال والذي -على الأغلب- لن يخرج منه إلا إلى القبر كما حصل مع الفنان "أكرم رسلان"- رحمه الله، والأذى الذي لحق بالفنان "علي فرزات".
لذلك وجد أن مغادرة سوريا أمر لا مفر منه فأن يكون حراً وعلى قيد الحياة خير له وللثورة من أن يكون مغيّباً في المعتقل أو تحت التراب.
ورأى أبو النور أن "أفضل محرض ومحفّز لإبداع الفنان هو الثورة والوقوف إلى جانب المظلوم وفضح النظام المجرم المستبد".
وأردف أن "دعم المظلومين وتحقيق العدالة والمطالبة بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه وتعرية الأنظمة القمعية الفاسدة لطالما كانت محفزة في الحياة والرسم، لذا حرص في جميع لوحاته -كما يقول- على توثيق معظم مراحل الثورة وأحداثها وذلك بلغة فنية بصرية".
وأشار محدثنا إلى أنه كأي سوري حر يتفاعل بشكل يومي مع ما يحصل في سوريا، وفي حين تكون ردة البعض منشورا أو صورة أو تنظيم حملة افتراضية أو عريضة على منصات التواصل الاجتماعي، أو يقوم البعض بكتابة مقالة أو ينتج فلماً أو يجمع تبرعات أو يخرج إلى الشارع ليعبر عن تضامنه يتفاعل هو مع أي حدث عن طريق الرسم لافتاً إلى أن "الثورة وسوريا دائماً في قلوبنا ومركز اهتمامنا".
وتابع أنه يعمل بجد على إيصال صوت الناس ومطالبهم ويشرح قضيتهم لكافة شعوب العالم، ويحاول بالرغم من إمكانياته المتواضعة التصدي لدعاية ومحاولات النظام لتشويه الثورة ووصمها بالإرهاب وإيصال حقيقة ما يحصل في سوريا.
ورفض أبو النور وضع نفسه في مقارنة مع رسامي الكاريكاتير الآخرين فهو مثل غيره يعلم ويتعلم من الآخرين ويحاول تكريس حرية التعبير وخدمة ما يؤمن به من قضايا.
واستدرك محدثنا أنه قد يتمايز عن البعض في نظرته لفن الكاريكاتير الذي لا ينظر له كعمل بمقابل مادي أو كوسيلة للعيش أو طريقة للشهرة، وإنما يعتبره وسيلة من وسائل الثورة وأداة من أدوات النضال في وجه المستبدين.
وحول تفسيره لإدخال اللون في رسوماته خلاف الكثير من الفنانين وما مبررات ذلك على مستوى التكنيك الفني أوضح أبو النور أن "استخدام اللون أو عدم استخدامه لا يعني الكثير في فن الكاريكاتير" فبإمكان الرسام -كما يقول- استخدام قلم الرصاص (الأسود وتدرجاته على خلفية بيضاء) طوال حياته، ولن يؤثر ذلك على جوهر الفكرة ووصولها إلى المتلقي، ولكن الألوان باتت في عصر الصورة والإبهار تشكل عامل جذب إضافيا كما أن للألوان -كما يقول- انطباعات ودلالات نفسية لدى النفس البشرية، فاللون الأسود وتدرجاته مرتبط بالحزن والبؤس والظلم والظلام، فيما ترتبط بقية الألوان بالفرح والحياة والأمل والتجدد، ولذلك يعتمد في لوحاته على أسلوبين في الرسم والتلوين بحسب موضوع اللوحة وليجعل من اللون-كما يقول- عنصراً مكملاً ومكثفاً للفكرة وليس مجرد أداة تجميلية فحسب.
وفيما يتعلق بفكرة إدخال التعليق اللغوي على اللوحة وإلى أي حد يقوي هذا التوظيف من اللوحة أو يفقد من تأثيرها أوضح محدثنا أن "فنان الكاريكاتير الحقيقي المتمكن من قدراته وموهبته هو الذي يعبر عن الفكرة ويوصلها إلى المتلقي دون أي كلمة" مشيراً إلى أن "اللوحة الخالية من أي كلمات والمعتمدة على الفكرة الإبداعية تنتقل مباشرة من المحلية إلى العالمية".
وتابع أن البعض من المتلقين يفضل اللوحات التي تتضمن تعليقات بينما يفضل آخرون اللوحات الخالية منها، لافتاً إلى أنه يحاول الأخذ بالرأيين ويعتمد بشكل عام بعض التعليقات عندما تكون الفكرة موجهة إلى المتلقي المحلي وبدون كتابة عندما تكون الفكرة موجهة أكثر إلى شعوب العالم.
وحول اضمحلال دور الكاريكاتير وتراجع تأثيره في دعم الثورة السورية وإيصال صوتها للعالم أشار أبو النور إلى أن الكاريكاتير هو عمل فني توعوي نقدي وليس أمراً توجيهياً له سلطة تنفيذية مباشرة يمكن قياس نتائجها، ومن هنا -كما يقول- فهو يساهم في تغيير أفكار الناس وتوجهاتهم بشكل غير مباشر وعلى المدى البعيد.
واستدرك محدثنا:"يمكن تشبيه أثر الكاريكاتير بالأثر الناتج عن اعتماد نظام تعليمي جديد في دولة ما فإنك تحتاج لعشر أو عشرين سنة لتعرف هل أحدث فرقاً في المستوى المعرفي للخريجين وطريقة تفكيرهم وهل أسهم في تطوير البلد أم لا".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية