كلما هبّت حماة إلى الجهاد
وقفت حمصُ وقالت "حاجي عاد"
تذكرت بيت الشعر الظريف هذا وقد سمعته من الأديب الراحل وليد قنباز، وأظنه هو قائله أو أنه لوجيه البارودي، ولعل المناسبة هنا لا تتحمل كثيراً من الظرافة، لكونها قضية دموية، إلا أن الشيء بالشيء يذكر، فبينما يرتكب نظام الأسد مجازر مروعة في حلب، يبدو ثوار حوران وريف دمشق وغيرها كأنهم من كوكب آخر.
بالأمس شاهدت رسالة بالغة التأثير، من فتاة "غوطانية" إلى المتقاتلين في الغوطة الشرقية، تحدثت عن نحو مئة شاب قتيل في صراع الإخوة أبناء ذات البيئة، جلّ ما أرادت قوله للمتناحرين هو أنكم تعلمون أطفالنا الخيانة، وأننا سنتعامل معكم مستقبلاً، بذات الجرأة التي تعاملنا بها مع نظام الأسد.
صراع بين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" رسالته أنك أيها الشعب السوري الحزين ستحتار أين يقف الله في هذا الفصل الدامي، أيكون الله مع الإسلام، أم مع جماعة الرحمن، وأجزم أنه لا مع هذا ولا مع ذاك، إذ كيف يستمرئ مقاتل أن يصوب رصاصته إلى صدر أخيه، إذن لا عتب على نظام يعرف كيف يستثمر في دمنا.
أي لعنة حلت بأسرة انقسم أبناؤها بين فصيلين يتقاتلان تحت راية الدين، ثم يقتلان بعضهما البعض، في حين "يتبازر"الروس والأميركان على دمهم.
أي لعنة حلت على وطن تقصف فيه الطائرات مستشفيات حلب، وتدمرها على رؤوس جرحاها المدنيين من أطفال ونساء وعلى أطبائها، وشبابنا في الشام نصفهم يتقاتل، والحجة ليست ذات معنى، فيما النصف الآخر بين "خزمتجية" لآل الأسد أو صامتين يأكلون "القشة" و"المقادم" ويرتعون على ضفاف الربوة.
ما أسعد الروس والإيرانيين بكم، فحلب التي تتجرع مرارها "سليماني"عاجزة عن هزِّ ضمائركم بكل هذا الطافر من الدم والعويل.
ثالثة الأثافي هو ذلك الذي يحصل في حوران، آلاف الثوار ناموا على بنادقهم، لا صوت لهم، وليس ثمة أعذار طالما أنهم يتحدثون باسم الثورة حتى اليوم، لعل خنادقهم على فيسبوك أوجب من استكمال تحرير الأرض، أو إشغال النظام الذي ارتاح لنومهم فسحب عناصره إلى الشمال.
تعلمنا الحياة أن المصارع لا ينبغى أن يبرد عرقه خلال جولات النزال، وإن حصل فسيخسر ما تبقى من جولات، فأي تبرير لهذا التخثر، أهي الهدنة، إذن عدّوا على أصابعكم عدد ضحاياها، ستكتشفون أن شيئاً لم يتغير.
بضعة آلاف على شكل مجموعات متناقلة يقودها قتلة محترفون من نظام الأسد يخوضون معارك بالطول والعرض من حلب إلى دير الزور إلى حماة إلى الريف الدمشقي وصولاً إلى الجنوب، وعندما تنام درعا فإنهم يزيدون جرعة المخّدر لمقاتليها، حتى لا يستيقظوا على صراخ الأيامى في حلب.
وطالما أن الخلاف كله تحت راية من يكون ممثلاً لله، فإن أحداً ليس ممثلا له، فهو لا يحتاج بنادق، ولا بيانات مرفوعة على "يوتيوب" تنتهي بعبارة "الله أكبر".
ليس في المعادلة اليوم صراخ يجدي، ولا نداءات استغاثة تفيد، كل المسألة أن ابن حوران إن لم توجعه صورة طفل حلبيّ ينعي أخاه، فهو مجرد تاجر سلاح، وأن ابن الغوطة الذي أعماه صراع "الزواريب" واكتفى لتصديق شهادة موت أخيه ببيان يحمل اسم الله فهو قاتل وتاجر منبر، وأن "الأبضاي" الذي أصبح وزنة 150 كيلوغراماً لأنه لا يستطيع مغادرة الـ 3 كيلو متر مربع بين الربوة والتجارة والمزة، هو "ديوث" سيمضي حياته تحت نعال أي عنصر مخابرات أو تاجر في المرحلة المقبلة.
احترقت العصرونية، واختنقت دمشق، و"راحت" السيدة زينب وجوارها، و"رقية" وجوارها، والأموي وجواره، وكلما نطق قلم يستنهض أهل الشام، أشبعوه كفراً وتكفيراً بأم الياسمين.
إذن فلكم "الأراكيل" و"المقادم" وضفاف الربوة في دمشق، ولكم "الناقردي"، و"أم زكي" وباب الحارة الذي سيفتح على شوارب وطرابيش تهز ضمير الشاشة في رمضان.
ولحوران ساحات الفيسبوك، وخاوات الحواجز، ومساء "النميمة" طالما أن الأبطال ماتوا، وأنتم هائمون لا يتفق اثنان منكم على لون "اللبن".
وللنظام كل هذا الحديد، وله كل الوقت ليسجل بدمنا وباسمنا مجازره على شاشات العالم... ولحلب اليوم "السليماني" حتى تمتلئ الكأس ويكمل الموت دورته البيولوجية.
وبالمناسبة.. فإن "سليماني" حلب، مصطلح للبرد القارس أو للسمّ القاتل، وليس للحَرّ، إلا أن بعض البرد في ضمير العالم، ونخوة العصبة، يحرق القلب أكثر من لهب طائرات الأسد ومشغّليه.
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية